سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة حفظه الله ووفقه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قرأت ما كتبه الاستاذ محمد بن عبد الله الحمدان في العدد «11246» عن الماء وما ذكره بأنه سينشر مقالة بعنوان «يا وزارة المياه اعطونا الماء جوابا شافيا كافيا» وقد قرأت المقالة منشورة بعد هذا العدد بيوم او بيومين وهو يطالب وزارة المياه ان تبين لنا مصادر الماء التي نشربها.. وعما يشاع عن تلوثها.. مصادر مياه الشبكة في المدن، الكثيرون يتحدثون عن تلوثها بمياه الصرف.. ومياه الشباب» هناك من يتحدث عن تلوثها ايضا.. المياه الصحية يسميها البعض «مياه مرضية».. الماء هو اغلى سلعة يجب توفيرها لنا..
كان العرب في جزيرتهم يتسقطون منابع الماء ومواطنه.. ويراقبون اي سحابة يلمع برقها فيتسابقون الى موقع هطول المطر منها فيحتفلون بنزول المطر..
الذي يعز عليهم في هذه الصحاري القاحلة.. لا مصدر للمياه في هذه الجزيرة الا مياه الامطار، وما تجود به السماء عليهم بفضل من الله من هذه المياه التي يرحلون معها اينما سقطت.. وبعضهم يجمع مياهها لأيام الصيف الحارة اللاهبة.. بل ان العرب كانوا يتقاتلون على موارد المياه.. وتحصل بينهم المعارك الطاحنة بسبب خلاف على بئر ماء.. وكثيرا ما انتصر الطرف الذي ينجح في الاستيلاء على مصادر المياه.. بل ويفتخر شاعر العرب الذين ينجحون في الاستيلاء على هذا المصدر .. انظروا الى عمرو بن كلثوم «شاعر قبيلة تغلب» وهو يفتخر بقبيلته التي تشرب الماء صافيا زلالا خالصا لها دون سائر القبائل.. بينما يشرب غيرهم ماء «ملوثا» معكراً.
ونشرب إن وردنا الماء صفوا
ويشرب غيرنا كدرا وطينا
هذا الماء هو اغلى سلعة لدى قبائل العرب.. هذه أقصى امانيه «ان يشرب الماء صافيا».. انها امنية ولا ككل الاماني.. من يشرب الماء صافيا في صحراء لاهبة.. في قيظ حار .. فقد حق له ان يفخر بذلك فكأنه حاز على «منابع النفط» فقد استولى على السلعة الاستراتيجية الاولى المهمة بين الحروب الاقتصادية.. وفي ذلك الوقت لم تكن توجد «وزارة للمياه» بل كل يمتح الماء من البئر ومن سبق فهو أحق به.. «وزارة المياه».. لم توجد على مر التاريخ في هذه الجزيرة الا في زماننا هذا.. وقبل عدة اشهر.. فلعلها تسقينا الماء «صفوا» وألا نشرب كدراً وطينا.
فالماء هو عصب الحياة.. وهو اهم شيء في حياة كل انسان واهم مادة غذائية في حياته.. ولهذا وجب تأمينه لكل انسان بسعر مناسب ومعقول.. وان يكون من مصدر صحي امين جدا.. وان يخضع لرقابة صارمة سواء من ناحية انتاجه وعلاجه.. او من ناحية سعره.. ولكن الملاحظ ان الماء اخيرا تحول الى سلعة ومنافسة بين التجار.. كل يظهر جشعه على حساب المستهلك المسكين.. ولا ادل على ذلك من انتشار محلات تعبئة المياه «الصحية» في كل مكان.. وامتلاء البقالات بعبوات مختلفة من المياه المتعددة المسميات.. فكل يوم لها اسم يسيل لعاب المستهلك.. هل تصدقون ان الماء «أغلى من البنزين».. هذه حقيقة اصبحت مشاهدة وليس فيها اي مبالغة.. لقد اصبح استهلاك هذه المياه ضروريا في ظل عدم وجود بديل غيرها.. كل البدائل غير مضمونة.. بل ان هذه المياه نفسها غير مضمونة فأين يذهب المستهلك.. سيقع تحت رحمة جشع تجار البلاستيك واقول تجار البلاستيك.. لأنهم يتاجرون بالبلاستيك حقيقة.. وبعدها يتاجرون بصحتنا ليحصلوا في النهاية على دراهم معدودات ندفع صحتنا ثمنا لها، اعتقد انه قد حان الاوان لفتح ملف «المياه الصحية» التي نرجو ألا تكون العكس.. فنحن في بلد يحرص على صحة الانسان.. ونحن في بلد قاري حار تصل درجة الحرارة فيه الى 50 درجة مئوية في الصيف، ويزيد فيه استهلاك المياه في بلد صحراوي لا يجد سكانه مصدرا للمياه الا هذه القناني البلاستيكية «مياه الشرب في بعض الاحيان فإن مياه الشبكة اكثر امانا منها.. هذه المصانع تعني هذه المياه في قناني براقة عليها صور جذابة.. ونحن «يا غافل لك الله» تشرب من هذه المياه التي اتت من «المصانع» ولا «تمسها الايدي».. ولا نعلم عن محتوياتها.. ولا أين عبئت ولا من أي مصدر جاءت هذه المياه.. كتب عليها تاريخ التعبئة.. وتاريخ الانتهاء.. هل عرفتم ماء تنتهي صلاحيته خلال سنة.
وهذا يعطي دليلا قاطعا على ان الماء اصبح سلعة للمتاجرين بصحتنا.. هذه القناني والقوارير البلاستيكية بمختلف الاحجام والعبوات والحرب قائمة على حجم العبوة فمنها 6 ،0 لتر ومنها 65 ،0 لتر ومنها 1 لتر ومنها نصف لتر واخيرا ظهرت الجوالين «2 لتر، 3 لترات» فما فوق ولكن هذه المياه الله اعلم كيف تمت معالجتها.. وماهو مصدرها.. كما اكدت الدراسات ان هناك انواعا من البكتيريا تنمو في القناني البلاستيكية اكثر من الزجاجية وذلك لانها تتغذى على المواد الناتجة عن تحلل المواد البولميرية «polymer» في البلاستيك والمصنوعة من مادة ال«pvc» او البولي فينيل كلورايد كما أثبتت الدراسات العلمية ان بعض العينات التي اخذ عشوائيا من نقاط بيع المياه المعدنية المعبأة تحتوي على اعداد كبيرة من البكتريا القابلة للنمو على شكل مستعمرات بكتيرية فكيف يمكن تسمية هذه المياه بالمياه «الصحية»..
ان هذا المسمى مسمى خادع جدا للمستهلك الذي يعتقد بحسن نية ان هذه المياه هي الافضل للصحة.. بل ربما كانت هي الاسوأ حيث انها تعرضت الى اعمال كيميائية وخزنت في ظروف سيئة ونقلت في ناقلات سيئة التهوية بل وربما تركت في الشمس حتى بدأت مادة الpvc تتحلل في الماء.. بل اننا في كثير من الاحيان نحس بطعم البلاستيك مع الماء .. في إحدى المرات وضعت في السيارة قارورة وجالون نصف ملأى بالماء وذلك في بداية فصل الصيف.. فلما عدت بعد ساعة وجدت القارورة والجالون قد التويا واسنتفخا وقاربا الانفجار.. هذا في درجة حرارة عادية.. فما بالكم في قوارير وجوالين تخزن في مستودعات تصل درجة الحرارة مع عدم التهوية بها الى ربما 55 درجة مئوية او اكثر.. واذا تعرضت للشمس فلا تتحدث عنها.
من يعرف هذه المادة التي تصنع منها قناني «المياه الصحية».. انها مادة ضارة بالصحة كما عرفنا وعرف الجميع .. وهذا اذا تعرضت الى درجات حرارة عالية.. ولكن مهلا ليس عندنا صحراء لاهبة تذيب الحديد في الصيف لشدة حرارتها.. فما بالكم في شاحنة تحمل هذه القناني في صحراء لاهبة في حمارة القيظ.. وعلى الاسفلت الاسود وموضوعة في صندوق يتحول في لواهب الصيف الى قطعة من الجحيم.. كيف تنقل المياه التي نشربها بهذه الصورة وتخزن في مستودعات لاهبة الحرارة.. هذا اذا لم توضع معرضة للشمس اللاهبة.. هناك ثلاثة اشياء لابد منها:
أ- ايقاف تجار البلاستيك وليسوا تجار «المياه الصحية» عن المتاجرة بصحتنا.. وفرض رقابة صارمة على محلات بيع «المياه الصحية» ومصانع المياه من قبل وزارة الزراعة والمياه التي هي المسؤولة الاولى عن المياه في بلادنا.. واجراء فحوصات واختبارات بكثرولوجية وكيميائية على هذه المياه والمصانع.. وكذلك لابد من دور ملموس لوزارة التجارة لإيقاف «حرب المياه هذه».. وتغير مسمى هذه المياه من صحية الى «مياه» فقط.. فبعض محلات بيع المياه تأخذ مياهها من «اشياب» داخل المدن ربما تكون قد اختطلت بمياه الصرف الصحي.. وهنا تكمن الخطورة.. وتضيف اليها بعض المطهرات الكيميائية مثل الكلور.. وتبيعها على المستهلكين.
لكم ان تتصوروا كم يكلف البلديات تنظيف الشوارع من قناني البلاستيك الفارغة التي يتم رميها بمختلف الاحجام .. «كاسات صغيرة جدا.. قوارير صغيرة.. قوارير كبيرة.. جوالين» لماذا لا يتم توجيه هذا الهدر الاقتصادي الى خدمة المواطنين بتأمين فلاتر مياه صحية وبيعها للراغبين في تحلية مياههم.
ب - مراقبة ظروف نقل وتخزين هذه المياه.. ونوعية القوارير التي يتم تخزين المياه بها.. هل هي مناسبة صحيا ام لا.
ج - مراقبة اسعار هذه المياه التي لاشك انها اسعار كبيرة بالمقارنة مع «البنزين» فالماء اغلى من البنزين.. الا اذا كانت المسألة هي متاجرة بالبلاستيك ومتاجرة ب«pvc».
فليس هناك مصدر للمستهلك الا هذه المياه.
م. عبد العزيز بن محمد السحيباني/ البدائع
|