لعلي أتعجب ممن يخالف مبدأه الذي أوجبه انتماؤه لمجتمعه.
ففي زمن ما غاب عنا كانت الناس تطلق الأمثال على حال جماعاتهم وتجاربهم، وتجدها تصور مبادئ متبعة تعكس تصورات وقتية لتصرفات فردية أو جماعية لقلة مندمجة في كثرة، وعادة ما تعكس أمثالهم دعابة بالقول المسموع أو تصرفاً ما لا ضرر منه.
لكن كثيرا من الأمثال المطلقة تتغير بتغير أحوال المجتمعات وأفرادها وزمنها، فمن هذه الأمثال راق لي الحديث إليكم عن واحد ولعلي أصبت مزاجكم. «خالف تعرفْ»، مثل أخذت عنه معاني منبعثة من لفظه، كمناورة الآخرين ممن لم يحقق لفرد أو مجموعة ما يرضي، كالفوز برغبة ما، فإذا به أو بهم يخالفون ما ارتضى عليه الكل من سلوكيات أو عادات قيمة، للحصول على ما يودون تحقيقه للذات، فمن المفهوم على سبيل المثال من هذا المثل انه يصور شخصاً ما في جماعة لا تلقي اهتماماً أو اعتباراً لقوله أو فعله، فيخالف مبدأ الجماعة باختياره لسلوك ما منفصل عنهم ليظهر ذاته فيعرف بينهم، أما بحسن تصرفه أو بسوئه تحدده ردود الفعل المباشرة لذلك السلوك المخالف لما تنتهجه جماعته، وهي المتأثرة مباشرة بما اختلف، ويعرف صاحبه.
كان في أزمنة مضت وعصور ظهر فيها هذا المثل مؤثرات نتائجها محدودة التأثير، وجزاؤها معرفة الفاعل فيتوخى الكل ما يختلف عليهم من وجود التقدير لمكانة الكبير عند الصغير والعالم عند الجاهل، الوالد عند الولد والآمر عند المأمور رغم وجود من يخالف كي يعرف بينهم، وكان العلاج يسيراً، ومنه اللجوء إلى المشورة.
لكننا اليوم لسنا ممن يخالف كي يعرف، بل ظهر فينا من يخالف نهج مسيرتنا لا لنعرفه ونقر بوجوده فحسب بل ليدمر كل من عارض اختلافه ففتح الباب على مصراعيه لعدو متربص أو محرض أو أوقع بالأبرياء في شرك اختلافه.
انه زمن مختلف، من يخالف فيه ليعرف يهدم كل ما أصاب بمن في ذلك هو ذاته، ومن أراد ان يعرفوه دون جدوى، وفي ذلك قسوة لا يحتملها عقل أو إدراك «وكل بحسب ما نوى».
من المسلم به في هذا الوقت ان أي فرد أو جماعة تنهج مبدأ المثل القائل «خالف تعرف» فيما عدا من يسخرون هممهم للبناء والابتكار وسلام البشر فإنهم يؤكدون انهم في هيئة «فيروس» جرثومة مدمرة للأغلبية قد يصعب علاجها الا بتدميرها، ويخسر المجتمع نزاهته. وأصبح هذا المثل قديما قدم جهاز التلفاز الأبيض وأسود، فلعلنا نعتمد على البناء ولا نخالف تصميم المهندس كي لا ينهار بنا وبمبادئنا النقية من وقع الطبل على الآذان..
وإليكم المثل الأمثل «تعلم تُعْرَفْ».
|