قال الشاعر:
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
|
تتراءى الأفكار وتتداعى المعاني عند الحديث عن الوطن وعن الأرض وذلك لأن حب الوطن والعاطفة نحو الارض التي نشأنا وترعرعنا فيها امر فطري وشعور أصيل لدى كل انسان.
فالأصل في الإنسان أن يحب وطنه ويتشبث بالعيش فيه ولا يفارقه ولعلنا نتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال مخاطباً مكة المكرمة «ما أطيبك من بلد وما أحبك إليّ، ولوا أن قومي اخرجوني منك ما سكنت غيرك».
والحديث عن وطننا الغالي ذو شؤون وشجون تشكل ذاكرة التاريخ التي من خلالها نستقرئ الماضي ونستشف آفاق المستقبل، فعندما نهض البطل القائد والمؤسس وابن الوطن البار والخالد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه. وأراد بثاقب بصره وبصيرته وحنكته الموروثة أن يلم شمل البلاد ويقضي على أسباب الفرقة والتنازع. وفي ذلك اليوم الذي استطاع فيه جلالته توحيد البلاد تحت راية التوحيد. كانت البلاد على موعد مع آمال عريضة وأحلام بعيدة وأقدار جديدة لتسير عبر دروب الضوء وتمتطي صهوة الألق الراكض ونحو آفاق المستقبل الذي يلوح مبتسماً بالبهجة والبشر والخير.
ففي ذلك اليوم اتفقنا بعد فرقة واجتمعنا بعد شتات، وولدت نهضة مباركة عمت بخيرها المدرار ارجاء البلاد، وبلغت إلى كل فرد من افراد المجتمع الذي اصبح ينعم بالخير والأمن والسلام بكرامة وعزة على تراب وطنه.
هذا اليوم بإنجازاته وعطاءاته يعلمنا حب الوطن والإخلاص من أجله والسهر والتفاني في سبيل عزته ورقيه وبنائه وحماية مكتسباته، فالذي تحقق على تراب هذه الأرض خلال فترة وجيزة من عمر الزمن يدل بكل صدق على مدى الجهود المخلصة التي بذلت من أجل تطويره وتشييده على أتم صورة وأكمل وجه حتى بلغ هذا الشأن السامق في سلم الارتقاء والنهوض والتحديث الأمر الذي لا يتأتى الا بدافع من الحب الذي يربط الانسان بوطنه فيقوم على خدمته وبنائه بكل إخلاص وتفانٍ باذلاً في سبيل ذلك كل طاقاته وإرادته للدفاع عن وطنه والسمع والطاعة لولاة الأمر والحرص الشديد على كل ما يفيد أبناء الوطن ويسهم في رقيهم وسعادتهم ليرى وطنه متبوئاً أعلى المراتب بين دول العالم.
وحين يلتقي الوطن على عتبة الذكريات ويستعيد حلاوة المنجزات، يلقي الفرح بظلاله على النفس ويغمرها بالنشوة والسرور، ويحيط بجوانبها شعور بالغبطة يفيض به اللسان حمداً لله تعالى على ما أولاه بلادنا الحبيبة من مكرمات وهيأ لها من رجال أوفياء مخلصين قدموا في سبيل الرفعة كل غالٍ ونفيس، وبالتالي أصبح لزاماً على الجميع العمل يداً واحدة والتكاتف والتلاحم والتعاون لبناء هذا الوطن والمحافظة على مكتسباته ومقدراته التي يأتي في مقدمتها أمنه وطمأنينة من يعيش على أرضه. لأن الحياة بكل معطياتها لا تعادل شيئاً في ظل الخوف والحذر وعدم الأمان والاطمئنان على النفس أو المال او الدين او العرض او الأرض.
يا قوم تعالوا إلى كلمة سواء
لمصلحة من تهدم البيوت على اصحابها..؟
لمصلحة من ييتم الاطفال..؟
لمصلحة من ترمل النساء..؟
لمصلحة من يقتل الشيوخ..؟
لمصلحة من يروع الآمنون..؟
لمصلحة من تتوقف عجلة الاقتصاد وتهرب رؤوس الاموال من البلد..؟
لمصلحة من تستخدم المساجد ودور العبادة مأوى لترويع الناس الآمنين..؟
بعد الحادي والعشرين من ربيع الأول وبعد التفجير الذي حصل في مدينة الرياض زرت احد المستشفيات وزرت احد المصابين من التفجير وسألته عن حاله فأجابني قائلاً: كما ترى الحمد لله ولكن ماذا عن اولادي؟.. تركتهم ولا اعرف عنهم شيئاً، فلم استطع أن اجيبه فلقد علمت أن جميع اطفاله قتلوا جراء التفجير وللمعلومية هذا الرجل مسلم ومن بلد عربي مسلم.
يا قوم.. لننطلق من مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي أعلن ولي الامر عن قيامه.. ولنتحاور من خلاله وللنتناقش وقد نختلف بالرأي ويحتدم النقاش ولا خير في ذلك، المهم أن تكون لغة الحوار هي السائدة ولنتبع قول الحق جل وعلا عندما قال في محكم آياته {وّأّمًرٍهٍمً شٍورّى" بّيًنّهٍمً} لنكن عقلانيين ومتحضرين ونحل مشاكلنا بالحوار الهادئ والصريح وليعلم الجميع أن ما قامت به هذه الفئة الضالة والمغرر بها وهم.. للأسف الشديد من ابنائنا!.
يا قوم.. الوطن للجميع والأمن أمن الجميع والمستقبل مستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة فلا مساومة ولا مهادنة على أمن ومستقبل وحرمة هذا الوطن. فالوطن غال ولا شيء يوازيه، فلقد رأيتم بأعينكم الذين فقدوا اوطانهم ماذا يفعلون.!!
وإننا بفضل الله على يقين وقناعة تامة بالله سبحانه وتعالى ثم بأبناء هذا البلد الأوفياء والمخلصين وتكاتفهم وتعاضدهم وتآخيهم بأنهم سيقفون سداً منيعاً ويداً واحدة في وجه كل من يحاول أو يعمل على العبث بأمن بلاد مهبط الوحي وأرض الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين وستظل بلادنا بإذن الله وعونه «كما هي عليه» بلاد الأمن والإيمان، ومنارة تشع منها أنوار الهداية وعنواناً عريضاً للاستقرار والبناء والرخاء ورمزاً ساطعاً للعطاء والإخاء، طالما أن ابناءها على دروب الحق والخير سائرون، وفي سبيلها متحمسون لأن من كان مع الله كان الله معه يقول سبحانه {وّكّانّ حّقَْا عّلّيًنّا نّصًرٍ المٍؤًمٌنٌينّ } .
* وزير الصحة
|