وسط زحام الأخبار المحلية حول مطاردة أوكار الإرهاب الداخلي، ووسط الذهول واللوعة، اللذان يشتركان في صياغة المشهد المحلي، والإجلال الوافر لكل رجل أمن افتدى أجسادنا وأمننا بصدره، لم أكن أملك إلا أن أتأمل بإعجاب حال الجبهة الداخلية المحلية، من أقصى البلاد إلى أدناها، جميع التيارات والاتجاهات، التفَّت بشكل تلقائي وفطري حول شجرة الوطن، انجذبت وأسقطت جميع التنافر والتشنج والفرقة والخلاف كي تصنع سواراً وطنياً منيعاً يلتف حول المنجز الحضاري الوطني ويجعله صعب الاختراق.
هذا الأتون الملتهب أبرز لنا جوهر العلاقة بين المواطن وبين المكان، واستجلى متانة الانتماء كواقع وليس كفكرة تروج لها أساليب إعلامية مملة وباهتة وعفا عنها الزمن.
وهذا بالتحديد ما أود الإشارة إليه هنا، فالذي صنع هذه اللحمة الوطنية، ليست تلك الطبول الإعلامية، التي كانت تفرقع في القناة الأولى لفترة طويلة، وليست الفقرات الإعلانية التي كانت توضع بين الشوطين في المباريات، فأعتقد بأن طبيعة العلاقة التي تبلورت وتكونت هي أسمى وأعمق وأذكى بمراحل عن ما يقدم كطريقة إعلامية ترويجية عبر القناة الأولى.
وهذا ما يجب مناقشته بكثير من الصراحة والمكاشفة، فلم يعد يجدي الكثير من المواربة فيما يتعلق بهذا الموضوع، فالصناعة الإعلامية هي حرفة وصناعة تتطلب الكثير من المهنية وبعد النظر، وأولا وقبل كل شيء الإيمان بذكاء المتلقي وقدرته على الفرز والتحديد، هذه المهنية ليست لها علاقة بالبرامج الترويجية التي ما برحت تبثها القناة الأولى بدأب واستبسال وبشكل منقطع عن المسار الإعلامي العالمي.
والسوار المنيع الذي التف حول الوطن في أزمته ليس له علاقة من قريب أو بعيد ببرامج القناة الأولى الترويجية، بل هو إيمان فطري بقيمة المنجز الحضاري الذي تمتلكه هذه البلاد، والحرص على المحافظة عليه وتطويقه بحدب، والاستبسال دونه بإخلاص.
|