معظم ما نشاهده ونسمعه ونقرؤه في وسائل الإعلام المختلفة في عالمنا الإسلامي يوحي بأن هناك اضطراباً كبيراً يعاني منه كثير من مثقفي ومفكري المسلمين، وأنَّ هنالك ضياعاً في صحارى الوهم واللهو وعدم وضوح الرؤية عندهم، وأن تيهاً في مفازات الغفلة يقودهم إلى سراديب مظلمةٍ في عالم الوحشة والضياع. لماذا هذا التيه؟
لأنهم يغرِّدون في سرب عدوِّهم، ويتصارعون على أفكار غير أفكار أمتهم، ويتحاورون في قضايا مصنوعة من أعدائهم، وكأن قرآنهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام لا تعنيهم، وكأنَّ تجارب التاريخ القديم والحديث لاتهمهم في شيء، وجوه يقرأ المتابع في ملامحها صوراً محزنة من القلق والحيرة والاضطراب، وأصواتٌ تتعالى في الحوار حتى تتحول إلى صُراخٍ يدل على فراغٍ نفسي قاتل، يغطَّونه -أحياناً- بابتساماتٍ صفراء وغير صفراء، وأحياناً بعبارات رنَّانة يتظاهرون فيها بالثقافة وسعة الاطلاع، وأحياناً بهدوءٍ مصطنع يعرف المتابع الواعي أنه يدل على مشكلة فكرية وثقافية، ومعضلة عقدية يعيشونها.
ومقالاتٌ تسطرها أقلامهم تعرض مشكلاتٍ خطيرة تعاني منها نفوسٌ أرهقها السير وراء المجهول، وأمرضها الشك، وأوهنت عزيمتها الشهوات، وأغلقت منافذ بصيرتها الشبهات، وكل ذلك يدل على أنَّ الغفلة عن منهج الله قد ضربت بأطنابها السوداء على العقول فأبعدتها عن التفكير السليم.
لقد آن لكل مثقف مسلم واعٍ يخاف الله عز وجل أن يقول لكل فكرة منحرفة عن منهج الله سبحانه وتعالى: اذهبي إلى غير رجعة، وأن يقول لكل رأي بشري يصادم، قواعد شريعتنا، وأصول ديننا، ومنابع منهجنا الإسلامي الصافي: ارجع إلى عقول الحائرين المخدوعين مهزوماً كسيراً.
لقد آن لكل إعلامي مسلم يعرف معنى إسلامه أن يرسم أمام الناس ملامح مشرقة للحق الذي ينقذهم من الضياع، والصدق الذي يكشف الزَّيْف ويصدُّ عنهم الأكاذيب والأباطيل.
لقد آن لكل عالمٍ مسلم يخاف الله أن يرشد الناس إلى الحق والخير دون مواربةٍ ولا خوف إلا من الله، ودون استعلاءٍ على عامة الناس الذين تخبط بهم الوسائل الإعلامية المختلفة خبط عشواء في دروبٍ معتمةٍ من الأفكار المتضاربة والآراء المتناقضة، والفتاوى التي يعصف بعضها ببعض حتى جعلت كثيراً من الناس رجالاً ونساءً، شباباً وشيوخاً، ملتزمين بدينهم ومقصرين في الالتزام يقولون: مَنْ ينقذنا من هذا التضارب والتناقض المقيت؟، وحتى دفعت بالبعض إلى أن يعلنها صريحة، نحن لا نريد أن نستمع إلى رأي عالمٍ من علماء هذا الزمن ما دامت مصادر التشريع بين أيدينا، فنحن قادرون على أن نعود إلى الأصول من نصوص القرآن والسنة نستنبط منها الأحكام، ونجتهد فيها كما اجتهد غيرنا.
لماذا حدث هذا الاضطراب؟ وما الذي دفع ببعض المسلمين إلى هذا القول؟ إنها الحالة المضطربة التي تعيشها الأمة في هذه الحقبة، والمبالغة المفرطة في اتخاذ المواقف سلباً وإيجاباً دون تفكُّر ورويَّة وبصيرة، وعدم المقدرة على استيعاب المواقف بصدر واسع وذهنٍ متفتح من قبل كثير من العلماء والمفكرين وولاة الأمر في عالمنا الإسلامي.
«تيه الغفلة» قاتلٌ مدمر، لن ينقذ الأمة منه إلاَّ العودة الصحيحة إلى الله سبحانه وتعالى، عودة الوعي والبصيرة والتأمَّل، لا عودة التعصُّب والتنطُّع والغلو الذي نهى عنه الإسلام، عودة الإخلاص والصدق مع الله سبحانه وتعالى، لا عودة التظاهُر والمجاملة لكسب المواقف والأصوات، لأن دين الله حقٌ لا مكان فيه للباطل، وصدق لا موضع فيه للكذب، ووضوح لا مجال فيه للنفاق، ولا منفذ فيه للرياء.
«تيه الغفلة»، لن ينقذنا منه التكفير والتفسيق دون ضوابط، ولا ادعاء الصلاح والاستقامة دون ضوابط أيضاً، ولن يخلِّصنا منه تزكية أنفسنا مع علمنا بما نحن فيه من التقصير، والإهمال، والتفريط في كثير مما أوجب الله علينا من الأعمال في هذه الحياة.
لن ينقذنا من التيه إلا أن نقول بصوت واضح صريح «آمنَّا بالله واستقمنا على منهج الله»، وهنا سيعرف العالم أجمع أنَّ عندنا قوارب النجاة لنا وله من طوفان هذا العصر، وأمواج محيطه المتلاطمة.
إشارة
ضدَّان -يا أختاه- ما اجتمعا
دين الهدى والفسقُ والصَّدُّ
|
|