شجعت الآراء والدعوات التي يطلقها المحافظون الجدد انبثاق الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية. ومع أن أمريكا دولة علمانية ودستورها ينص على فصل الدين عن الدولة، إلا أن المحافظين الجدد الذين يشكلون النسبة الأكبر من كبار المسئولين في إدارة الرئيس جورج بوش الابن قاموا بأفعال وصدرت عنهم أقوال تظهر الولايات المتحدة الأمريكية وكأنها دولة أصولية مسيحية. وقد رصد المحللون والصحفيون الكثير من النداءات والدعوات والصلوات في ثنايا خطب الرئيس جورج بوش الابن وخاصة في نهايات تلك الخطب، وقد شجعت تصرفات وأقوال إدارة بوش عناصر كثيرة داخل أمريكا على إثارة النعرات الأصولية وحتى العنصرية وأتاحت لعدد من القساوسة المتطرفين توجيه الإساءات للأديان الأخرى وخاصة الدين الإسلامي مما وسّع دائرة الكراهية في المجتمع الأمريكي ضد المسلمين ومنهم أكثر من ثمانية ملايين أمريكي يدينون بالإسلام.
وقد دفع تبني الإدارة الأمريكية للأصولية المسيحية إلى تحدي رئيس المحكمة العليا في ولاية ألاباما المبدأ الأمريكي الراسخ بالفصل بين الكنيسة والدولة وأقام نصبا تذكارياً للوصايا العشر في قاعة مستديرة بمبنى المحكمة، وتلا هذه الخطوة صدور احكام قضائية بإزالة النصب واعتقال المتدينين الذين يتظاهرون مطالبين بالإبقاء عليه.
ووجد روي مور رئيس المحكمة الذي رفض الامتثال للحكم القضائي أنه بلا نصير في تمرده عندما أصدر القضاة الثمانية الآخرون اعضاء المحكمة أوامر باتخاذ «جميع الاجراءات اللازمة» لتنفيذ الحكم.
وأقام بعض القضاة في وقت سابق حواجز لإخفاء النصب الذي يزن 4 ،2 طن ويصور الوصايا العشر منحوته على لوحين مثبتين على قاعدة.
ولكن مور وهو من أتباع المذهب المعمداني أمر بإزالة الحواجز وطلب من القسيس الذي نظم الصلوات حول النصب أن يدافع عنه.
وقال القسيس باتريك ماهوني «اقيم سور برلين الذي يعبر عن الطغيان الديني ولكنه سقط».
وتعبر الأزمة في مدينة مونتجومري عن سؤال يؤرق المجتمع الأمريكي الذي يتحمس لمثله العليا الدينية مثلما يتحمس لمثله السياسية وهو: هل يحظر مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة بالضرورة جميع صور التعبير الديني داخل الحكومة؟
وأسفر هذا الجدل عن عديد من القضايا التي دفعت الحكومات المحلية إلى إصدار أوامر بإزالة لوحات تصور ميلاد السيد المسيح وحظر صلوات جماعات معينة في مدارس تدعمها الدولة، بل ان بعض المحاكم توصلت إلى أن يمين الولاء للعلم الأمريكي غير دستوري لأنه يعلن ان الولايات المتحدة هي «دولة واحدة ولها رب واحد».
وفي الوقت ذاته توجد كنيسة صغيرة داخل مبنى الكونجرس الأمريكي تؤدى فيها الصلوات قبل الجلسات، كما يجري وزير العدل الأمريكي جون اشكروفت دراسات عن الكتاب المقدس داخل مكتبه وكثيراً ما يتحدث الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش علناً عن ديانته المسيحية.
المعركة الآن محتدمة في ولاية ألاباما بعد رفض القاضي مور المهلة الزمنية لإزالة النصب الذي وضعه سراً.. وهي معركة يعتبرها الكثيرون من المحللين بداية لمواجهة مد الأصولية المسيحية التي يبشر بها المحافظون الجدد.
|