* رام الله - نائل نخلة:
بقوة وتماسك ممزوج بالحزن تحدثت الشابة سناء سلمة عن احتفالها واخيها بعيد ميلادهما الواحد والعشرين بعيداً عن والدهما الشيخ حسن سلمة... واحد وعشرون عاما مضت لم يتمكن الشقيقان علي وسناء من معانقة والدهما الذي يمضي حكما بالسجن مدى الحياة. .. افراحهم تتحول إلى احزان عندما يتذكرون والدهم الأسير. .. واليوم تمنعهم سلطات الاحتلال من زيارته بحجة عدم وجود صلة قرابة بينهم وبين أبيهم.
تقول سناء كان عمري واخي 14 يوما عندما اعتقل والدي عام 1981 من بيتنا في بلدة بيتونيا إلى الغرب من رام الله، بتهمة الاشتراك في خلية مسلحة نفذت عددا من العمليات التفجيرية داخل إسرائيل، وحكمت عليه المحاكم الصهيونية بالسجن مدى الحياة، وهو محتجز الآن في سجن عسقلان.
منذ واحد وعشرين عاما وعائلتنا تعاني، أمي من الأردن وهي لا تملك الهوية الفلسطينية، تزوجها أبي في الأردن وحضروا بعد ذلك إلى فلسطين، اعتقل قبل أن تحصل والدتي على بطاقة الهوية، لذلك لم تتمكن لعدة سنوات من زيارته بحجة عدم وجود قرابة او عدم حيازتها على التصاريح اللازمة.
رغم كل ما أحطنا به من عطف وحنان من أقاربنا، إلا أننا لم نستطع ان نتغلب على مشاق الحياة ومصاعبها بسهولة، فوالدتي اضطرت لأن تعمل بالخياطة وتعاني معاناة كبيرة لكي توفر لنا حياة كريمة كان يتوجب على المؤسسات والفصائل الفلسطينية ان توفرها لنا.
منذ صغري كنت أبكي عندما يأتي موعد الزيارة كوني لا أستطيع رؤية والدي المعتقل بسبب وجود امتحان عندي او عدم السماح لي بالخروج من المدرسة، وعندما كنت أسمع زميلاتي الطالبات يتحدثن عن آبائهن أشعر بالحزن فأستسلم للبكاء، ورغم كل الحنان المحاط بنا من عائلتي إلا أنه لا يوجد شيء يعوض عن حنان الأب.
أنا نفسي لم اشاهد والدي منذ ثلاثة أعوام، فقد منع اهالي الأسرى منذ بداية الانتفاضة الحالية من زيارة أبنائهم، حيث سمح بعد ذلك لجدتي وجدي فقط بالزيارة، ولم يسمحوا لي ولوالدتي ولأخي بزيارته بحجة عدم وجود تطابق في الهوية الشخصية بيننا وبينه.
تمكنت والدتي من الحصول على الهوية الفلسطينية بعد 14 عاما من دخول والدي السجن، حيث كانت ممنوعة من زيارته إلا في مرات قليلة تكاد تكون معدودة.
ومن أصعب اللحظات التي تعيشها عائلة الاسير لحظات الزيارة، ففي تلك الليلة لا ننام، ننهض مبكرا في الثالثة صباحا، نذهب الى رام الله إلى حافلات أعدها الصليب الأحمر، نواجه خلال الزيارة إذلالا متكررا من قبل الجنود عبر تفتيشنا في عدد كبير من الحواجز، وكانوا ينقلوننا بين حافلة وأخرى، إضافة إلى ذلك نتعرض لتفتيش مذل ومهين على باب السجن، وننتظر قرابة الساعة حتى يسمح لنا الالتقاء مع أسيرنا.
ومن المفارقات المضحكة أنني في إحدى الزيارات رفضت الخروج من السجن بعد انتهاء الزيارة، وطلبت من امي أن يخرج ابي معي إلى البيت كما كل العائلات، كنت صغيرة لا ادرك معنى السجن، كنت طفلة لا يعنيني شيء في العالم سوى رؤية والدي في المنزل يقبلني ويداعبني، ربما كانت هذه الحادثة من اصعب اللحظات التي عاشها والدي في حياته.
وتضيف سناء: منذ ان خرجت إلى الدنيا وانا محرومة من والدي، وهذه المعاناة من الصعب أن يفهمها إلا من عاشها، أنا اعلم أن أبي بطل ومقاتل من اجل فلسطين والإسلام ولكن من حقنا ان نعيش كما كل الفلسطينيين نتمتع بحنان ابينا وعطفه.
ويوم العيد بدلاً من الفرحة في عيد رب العالمين وعيد المسلمين يكون يوم حزن شديد علينا، حيث إننا نحتفل بالعيد بعيداً عن والدي الذي أتمني أن يكون معي، في المقابل أرى أبناء اعمامي يخرجون مع آبائهم ويذهبون للاستمتاع بالعيد بينما أنا لا أجد أبي لأحتفل معه بالعيد.
وانا شخصيا اسعى دوما لأن اعرف أدق التفاصيل عن والدي، حيث كنت أرسل إليه الرسائل المكتوبة، لأنها أبلغ في التعبير من مدة الزيارة القصيرة التي لا تتجاوز الخمس والأربعين دقيقة كل ثلاثة أشهر، لا أستطيع فيها الحديث معه واشعر أنها تمر ثواني معدودة.
علاقتي مع أبي علاقة صداقة، وهو كذلك يكتب الرسائل ويرسلها إلي من سجنه، وهي تجعلني افتخر به وأتعرف عليه اكثر واعمل بنصائحه وإرشاداته التي يحرص ان يعلِّمها لي.
واليوم انا وأخي نشعر أنفسنا نكبر بشكل سريع، أسرع من كل جيلنا، بدأ علي رويدا رويدا يتحمل مسؤولية البيت ويشعر أنه مسؤول عن العائلة وان عليه رعايتها، وانا كذلك أشعر نفسي كبيرة ايضا كوني بنت أسير يجب ان احافظ على نفسي، كل شيء محسوب.. كلامي وزيارتي، فبعضهم ينظر إلي بشفقة كوني ابنة أسير، وآخرون ينظرون إلي باحترام بالغ، لذلك يجب عليّ ان احافظ على نفسي.
رغم كل ذلك فسناء تنظر إلى سجن والدها على أنه ابتلاء وامتحان وتقول: «الحمد لله رب العالمين على كل شيء، وهذا ابتلاء من رب العالمين هل نصبر أم لا؟ وأنا مؤمنة بالله وحده هو القادر على إخراج والدي من السجن، وإن لم نلتق في الدنيا نلتقي في الآخرة».
بالرغم من كل ذلك فأنا اعتز بأبي جدا وادعو له دوما بالفرج العادل الذي حرم منه لا لشيء إلا لتمسكه بدينه، فقد اطلق سراح بقية اعضاء الخلية فيما بقي أبي في السجن لأنه اهتدى على طريق الحق المبين، ويبقى نضاله وسام شرف منحنا إياه، واقول له: صبر جميل والله المستعان.
|