إن الصبر ذو وجهين، ضبط الإقدام، فلا يقدم الإنسان إلا بما يعلم انه ينفعه في دينه أو دنياه، ولا يتورط فيما لا يعلم عواقبه ومآلاته. وضبط الإحجام: فلا يحجم الإنسان إلا عما يضره. ليس الصبر أمام الأزمات فقط، بل الصبر سلوك ومنهج يحكم حياة الإنسان في كل شيء، الصبر لا بد منه في كل شيء، في الصحبة، في الشركة. {)وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (الكهف:28)
في العلاقة بين اثنين، زوجين، أو صديقين {)قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً. وّكّيًفّ تّصًبٌرٍ عّلّى" مّا لّمً تٍحٌطً بٌهٌ خٍبًرْا . قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) } [الكهف: 67 - 69] . الصبر لطالب العلم كما في قصة موسى والخضر، والصبر ضروري للعبادة: {)وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طـه:132) . الصبر للدعوة .. {)يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17) }. الصبر للجهاد.. {)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (لأنفال:45) }. الصبر ضروري عند المصائب ... {)وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة:45) } [البقرة: 45]. فيا من فقدت حبيبها.. أو رزئت بأملها.. أو صدمت بما لا تنتظر .. الصبر.. الصبر. ويا كل أب مفجوع بفلذة كبده، وشعبة روحه الصبر الصبر.
وداعاً حبيبي لا لقاء الى الحشر وإن كان في قلبي عليك لظى الجمرِ صبرت لأني لم أجد لي مخلصاً إليك وما من حيلة لي سوى الصبر تراءاك عيني في السرير موسداً على وجهك المكدود أوسمة الطهر براءة عينيك استثارت مشاعري وفاضت بأنهار من الدمع في شعري أرى فمك الحلو المعطر في فمي كما اعتدت هذا الحب من أول البرِ أراك جميلاً رافلاً في حريرةٍ بمعشبة فيحاء طيبة النشرِ
فكيف يصبر الفتى.. وكيف تصبر الفتاة أمام نوازع الشهوات وتنوع الفتن والمغريات وسهولة الوصول إليها؟ إن أعظم عون على الصبر على ذلك مراعاة: أولاً: مشهد إجلال الله تبارك وتعالى أن تعصيه وهو يراك، وأنت منه بمرأى ومسمع، لا يغيب عنه شيء ولا تخفى عليه خافية.. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن». أخرجه البخاري «2475»، ومسلم «57» من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ. إن الذي يستحضر عظمة الله تبارك وتعالى واطلاعه عليه يستحي من الله تعالى أن يجده حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره. لو كان المرء عارياً أو متلبساً بشهوة فوجد شخصاً يراه من خلل الباب فإنه حينئذ يرعب ويرتبك ويصعب عليه أن يضع عينيه في عينيه مرة أخرى. إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيب ثانياً: مشهد محبته سبحانه وتعالى: {)قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31)
} تعصي الإله وأنت تزعم حبه
هذا لعمري في القياس شنيع لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع ثالثا: مشهد النعمة والإحسان، فأنت تتقلب في نعمه، وتعصيه بجوارح هو خلقها، وامتنَّ بها عليك وائتمنك عليها، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. رابعاً: مشهد الغضب والانتقام: ان يغضب الله تبارك وتعالى عليك: {)أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. )أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ. أّوً يّّأًخٍذّهٍمً عّلّى" تّخّوٍَفُ فّإنَّ رّبَّكٍمً لّرّءٍوفِ رَّحٌيمِ} [النحل: 45 - 47] . وهذا قد يتأخر ليوم الحساب حين يغضب ربنا تبارك وتعالى الغضب المعروف في الحديث. انظر صحيح البخاري «4712»، وصحيح مسلم «194». خامساً: مشهد المعاجلة والمباغتة والمعاقبة على حال لا تسر: ربما أخذ أحدهم وهو سكران، أو انقلبت السيارة على من فيها، وفيها شاب وفتاة في غفلة من أعين الرقباء. سادساً: مشهد العوض والخلف من الله عز وجل، ومن ترك شيئاً لله تعالى عوضه الله خيراً منه، يقول سفيان: من غض بصره أورثه الله تعالى إيماناً يجد لذته في قلبه، وما عند الله خير وأبقى. سابعاً: مشهد التفكر في الدنيا وزوالها، وسرعة أفولها، وتقدم الإنسان، وكيف تعمل الأيام والليالي بهذه الوجوه الجميلة، والأشكال النضرة والخدود الغضة، وكيف تتحول الى تجعد واعوجاج والى شيخوخة وهرم وضعف. جبلت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفير هار فاقضوا مآربكم عجالاً إنما أعماركم سفر من الأسفار وتراكضوا خيل الشباب وبادروا ان تسترد فإنهن عوار الثامن: مشهد التعرض لرحمة الله تعالى ونفحاته، فإنه يخشى ان تحجب عمن أصرّ على الحرام ولم ينكسر لعظمة الواحد الديان. تاسعاً: مشهد مخالفة العادة، فإن كثيراً من الناس إنما ابتلوا بالإدمان، الإدمان على الخمر أو المخدرات، أو المشاهدات المحرمة، وربما لا يكون للواحد منهم في ذلك غرض ولارغبة إلا أنه ينساق اليها بحكم العادة، فحينئذ التحرر من العبودية عز، العبودية لله تبارك وتعالى. أطعت مطامعي فاستعبدتني ولو أني قنعت لكنت حراً عاشراً: مشهد المصلحة العاجلة والآجلة: فإن ما حرم الله تبارك وتعالى شيئاً إلا ومفسدته خالصة أو راجحة، وما أمر الله تعالى بشيء إلا ومصلحته خالصة أو راجحة، وطاعة الله ورسوله خير وأبقى وأحمد عاقبة. بسم الله الرحمن الرحيم: {وّالًعّصًرٌ . إنَّ الإنسّانّ لّفٌي خٍسًرُ . )إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3] . قال الإمام الشافعي رحمه الله: لو تأمل الناس هذه السورة لوسعتهم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
|