يشهد عالم اليوم تطورات جوهرية في العملية التعليمية والتدريبية نظراً للتوجهات الحديثة وما ترتب عليها من انفتاح اقتصادي وتعليمي واجتماعي ومعلوماتي، وغير ذلك العوامل الأخرى التي تؤثر على مستوى ونوع التنمية بصفة عامة وعلى تنمية الموارد البشرية بصفة خاصة، ولذلك فقد اهتمت الدول بتطوير مفهوم استمرارية التعليم والتدريب وربطه بسوق العمل لأجل تطوير مستوى الأداء في المنشآت بالقطاعات الإنتاجية المختلفة، ومما لا شك فيه ان تطوير مفهوم استمرارية التعليم والتدريب يرتبط بمدى استجابة الدول المختلفة للتوجهات العالمية في مجال التعليم والتدريب وبآليات تفعيل هذه التوجهات في الواقع العملي.
ذكرت ذلك دراسة قدمت للمؤتمر الثالث للتعليم المستمر، حيث أوضحت ان تطوير مفهوم استمرارية التعليم والتدريب قد أدى إلى تعاظم دور القطاع الخاص في تنمية المواد البشرية، وذلك لأسباب عديدة تتعلق مجموعة منها بتوجهات معظم الدول نحو تقليص دورها في النشاط الاقتصادي، كما وتتعلق مجموعة أخرى من هذه الأسباب بطبيعة القطاع الخاص التي تركز على الكفاءة والجودة والقيمة المضافة للعملية التعليمية والتدريبية ودور ذلك في تنمية الموارد البشرية.
إن فاعلية وكفاءة نظم التدريب والتعليم تختلف من بلد لآخر، وذلك ليس بسبب اختلاف فلسفة وتوجهات التدريب بل وأيضا بسبب اختلاف الدول في الحاجات التدريبية والفعلية التي يفرضها سوق العمل في كل دولة. ولكن بالرغم من هذا الاختلاف واستناداً على دراسة تفصيلية لمنظمة العمل الدولية عام 2000م فإن جميع بلدان العالم قد تشترك في مواجهة العديد من التحديات مثل تطوير المهارات الحالية للغالبية العظمى من العاملين وإكسابهم مهارات جديدة لمقابلة التطورات المتلاحقة في تنظيم الإنتاج وتقنياتها، وتنمية مهارات العمالة وفقاً لاحتياجات سوق العمل بصورة تجعلها أكثر تواؤماً مع ما يستجد من تغيرات في الواقع الفعلي للوظائف، وزيادة درجة فاعلية وكعادة العملية التدريبية وتطويرها بما يتوافق مع زيادة وتيرة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، وتدريب وإعادة تدريب المزيد من الكوادر البشرية الناشطة اقتصادياً والباحثة عن عمل محلياً وإقليمياً وعالمياً، وزيادة درجة المسؤولية الاجتماعية لمؤسسات التدريب العامة والخاصة مثل ضرورة مساعدة هذه المؤسسات في تنفيذ سياسات وبرامج الدولة المتعلقة بتنمية الموارد البشرية وخاصة البرامج ذات الأهمية القصوى مثل برامج تقليل نسبة البطالة بين الشباب وبرامج تدريب ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها.
وتذكر الورقة أن التوجهات الحديثة وما نتج عنها من عمليات الانفتاح والتحرير الاقتصادي وما تستند عليه هذه العمليات من تقدم في تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الإنتاج وكذلك ما تستند عليه من اتفاقيات التجارة الحرة والتكتلات الاقتصادية قد أدى إلى تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي بصفة عامة وفي نشاط التدريب بصفة خاصة.
ومن ضمن ما يعنيه مفهوم تقليص دور الدولة هو فتح القطاع الخاص دوراً ريادياً في النشاط الاقتصادي، وكذلك تهيئة المناخ المناسب لرفع مستوى كفاءة الأداء الاقتصادي، وعند تطبيق مفهوم تقليص دور الدولة على العملية التدريبية كجزء أصيل من منظومة عمليات تنمية الموارد البشرية يبرز دور جديد للدولة في مجال التدريب.
ويتعلق هذا الدور ببلورة وتنفيذ سياسات تدريبية تعنى بالعديد من عوامل تفعيل التّعليم والتدريب مثل التخطيط الاستراتيجي للتدريب وفقاً لاستراتيجية قومية لتنمية الموارد البشرية وعلى ضوء الاستراتيجية الشاملة للتنمية، والعمل على تفادي احتكار الدولة للتدريب من خلال تشجيع القطاع الخاص على إنشاء وتطوير مراكز ومعاهد للتدريب ومنحه الحوافز والتسهيلات اللازمة وتعديل التشريعات المرتبطة بتنظيم وإدارة مراكز ومعاهد التدريب الخاصة بصورة تساعد على تفعيل دورها وعلى تطويرها بما يتماشى واستراتيجيات تنمية الموارد البشرية، وإنشاء مراكز للمعلومات تختص بجمع وتحليل وتوزيع المعلومات لتفعيل العملية التدريبية على ضوء التغيرات الطارئة والمتوقعة في سوق العمل، وإحداث التنسيق اللازم بين برامج وخطط التدريب من جهة واحتياجات سوق العمل من جهة أخرى بالإضافة إلى تشجيع بعض المراكز والمعاهد التدريبية على التخصص في مجالات معينة وتبادل الخبرات بين مؤساسات التدريب العامة والخاصة وتخطيط وبرمجة التدريب وفقاً لأسس الجودة والكفاءة واعتماد هذه الأسس كمعايير لمنح التصريحات الخاصة بمزاولة النشاط التدريبي والاستمرار فيه، ومن الأهمية التوجه نحو خلق ثقافة تنظيمية تعنى بالترويج لأهمية التدريب وديناميكيته وبالاستجابة لتغيرات سوق العمل وبتشجيع السلوك الأخلاقي في مجالات التدريب المختلفة.
وعلى رب العالمين الاتكال.
|