المسلم يتعاطف مع أهل الخير، ويناصر المظلومين، ويسعى إلى مساعدة المحتاجين، ومواساة المكلومين، ويأبى أن يكون قلبه كالصخرة الصماء جامداً قاسياً لا يرحم دمعة يتيم، ولا آهة مكلوم، المسلم ذو قلب رحيم، وصدر حنون.
ومع ذلك كله، فإنه لا يتعاطف مع المجرمين، الظالمين، الذين سلكوا لتحقيق أهدافهم في الحياة طريق الاعتداء، والظلم والقتل والتسلط، والاستهانة بدماء الناس وأعراضهم، وعدم التعاطف معهم هو الأسلوب المناسب لعصابات البشر الذين يخرجون عن طريق الحياة العادلة الحرة المستقيمة.
منذ أن ابتليت الأمة الإسلامية ببعض الطغاة الذين تولوا مقاليد الأمور في مواقع من خريطتها الحزينة، وهي تعيش معيشة ضنكاً، وتحيا حياة بائسة لا استقرار فيها ولا أمان، لان اولئك الطغاة الذين حاربوا الله سبحانه وتعالى - أولاً - بإعلان إلحادهم، وكفرهم، وتبديلهم لشرع الله، وحاربوا الناس - ثانياً - بإعلان مصادرتهم للحقوق، وسلبهم للأموال تحت أسماء خادعة تدعي التطوير وتتظاهر بالإصلاح، لأن اولئك الطغاة قد ساروا بالمركبة إلى الهاوية، وقادوها إلى نهاية دموية حزينة، وطال بهم الزمن حتى ظن الناس أنهم قدر لا مناص من الرضا به، والرضوخ له، وانطلت على بعض الناس دعاواهم وأكاذيبهم واباطيلهم، والتلميع الإعلامي لهم، وقد نسي هؤلاء وأولئك أن الله سبحانه وتعالى بكل شيء محيط، وأن إرادته فوق كل إرادة، وانه يمهل عباده ولا يهملهم، وعندما حانت ساعة العقاب الإلهي، وسلط الله على بعض اولئك الطغاة الظالمين من هو اعتى منهم ظلماً، واقوى منهم باطلاً رأى الناس جثث الظالمين تتناثر في كل مكان، ورأوا وجوههم الكالحة بعد - ترميمها - توحي بما كان يختفي في نفوس اصحابها من الظلم، والطغيان والمكابرة، والمجاهرة، والمبارزة لله سبحانه وتعالى بالمعاصي، كما رأوا بعض اولئك الظالمين يقعون في اسر من هو اظلم منهم، وفي ملامحهم دلائل على تاريخ اسود حافل بالظلم والاعتداء، والانتهاك لحقوق الضعفاء، وهذه النهايات هي العقاب العاجل لأولئك الطغاة، وعند الله من الجزاء ما هو أعظم يوم يقوم الناس لرب العالمين.
هل يجوز لمسلم عاقل ان يتعاطف مع هذه الأصناف البشرية المنحرفة؟
إن الإجابة الصحيحة تصرخ بملء أفواه حروفها:« كلا، ثم كلا» وكيف يتعاطف عاقل مع قاتل غاشم ظالم؟؟
إن العبرة والموعظة لتبرز لنا جلية في كل ما نراه من نهايات الطغاة والظالمين، وإن سنن الله الكونية لتؤكد لنا أن نهاية كل ظالم غاشم مكابر عاص لله، مخالف لمنهج الله، معلن لكفره وإلحاده، هي تلك النهاية البشعة طال الزمن ام قصر، لقد كان الناس يعيشون اخبار التسلط والظلم والعسف التي كانت تنقل عن طغاة العرب في هذا العصر، ويستمعون إلى قصص جبروتهم بقلوب دامية وعيون دامعة، ولم يكن ذلك بعيد العهد، وها هم اليوم يتابعون اخبارهم المؤلمة في ذلتهم، وانهزامهم، وتشردهم، وتفرق شمل أحزابهم المنحرفة، وهنا تكمن العبرة لمن كان له قلب او ألقى السمع وهو شهيد.
وهنا نقول إن المسلم ليحمد الله الذي جازى أهل الظلم بما يستحقون، وحقق للمظلوم أن يرى الظالم في حالة ضعفه وانهزامه، وضياعه.
وإن المسلم الحق لينتظر - بيقين لا يقبل الشك - النهاية المناسبة لهذه القوى الكافرة الغاشمة، المتجاوزة لحدود شرع الله، وحدود العقل والعرف، المتطاولة على كل القوانين والأنظمة، لان قدرة الله فوق كل قدرة، والباطل لا يمكن أن يستمر في باطله مهما كانت قوته ومكانته.
إن المشكلة تكمن في غفلة الناس، وانشغالهم بالحياة الدنيا، ومظاهرها، عن التأمل في معاني آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والتدبر لأحداث التاريخ ووقائعه، ولذلك أصبحت مقاييسهم مختلة، وأحكامهم على الأمور معتلة، فما احوجنا جميعاً إلى رؤية شرعنا السديدة!
إشارة:
سيجيء زمان يتسلى
فيه المظلوم بمن ظلمه
|
|