Saturday 23rd august,2003 11286العدد السبت 25 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الابتزاز الصهيوني يزحف على مساحة الوعي العربي.. مركز زايد.. الابتزاز الصهيوني يزحف على مساحة الوعي العربي.. مركز زايد..
لماذا لا يطالب العرب بإغلاق مركز «أمركان انتربرايز»؟
علي بن شويل القرني (*)

كنت قد تلقيت دعوة من مركز زايد للتنسيق والمتابعة قبل عدة أشهر لإلقاء محاضرة عن مستقبل العلاقات العربية الأمريكية، وتحديدا عن تأثير مراكز الدراسات الاستراتيجية في صناعة القرار الأمريكي، وكيف تلعب مثل هذه المراكز دورا حيويا في توجيه دفة السياسة الأمريكية، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط.. وبكل ترحاب قبلت الدعوة، وطلبت من المدير التنفيذي لمركز زايد ان يتم تحديد موعد المحاضرة خلال الفترة القادمة، حيث كنت مع زملائي بالجمعية السعودية للإعلام والاتصال مشغولين بتنظيم المنتدى الإعلامي السنوي الأول لهذه الجمعية.. ولكني أردت أن انتهز هذه الفرصة لأقدم رؤيتي عن الدور الخطير الذي تلعبه مراكز دراسات معينة في الولايات المتحدة في بعثرة أوراق منطقة الشرق الأوسط.. وكيف ان العالم العربي في المقابل يقف عاجزاً عن التصدي الفكري والبحثي لمثل هذه المناورات، التي تستهدف النيل من الأنظمة والمجتمعات العربية..
إن مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية في الولايات المتحدة الأمريكية تعد مصانع السياسة الخارجية الأمريكية.. وكما هو مألوف ومتوقع ان هذه المراكز تعمل في إطار عمليات متسلسلة تهدف في نهاية المطاف إلى تهيئة صاحب القرار إلى القرار المناسب وفق مصالح معينة تحددها قوى الضغط أو أجندة الأحزاب.. ومن المعروف - كمثال استشهادي فقط- ان أحد هذه المراكز (أمركان انتربرايز) كان قد فرض أجندته اليمينية على الحزب الجمهوري في عهد الانتخابات التي خاضها الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان عام 1980م.. وبعد تسلم الرئيس مهامه استعان بأكثر من ثلاثين شخصية مرتبطة بهذا المركز بمن فيها وزير الخارجية في رئاسته شولتز.. ولايزال هذا المركز يفرخ سياسيين وبرامج حزبية وقيم استراتيجية للسياسة الأمريكية، وبالذات للسياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط..
وبكل بساطة لا تعمل هذه المراكز من فراغ، بل انها تستند على واقع ملموس وتجارب محاكاة.. فمثلا ينبغي ان نعرف ان الهيئات الاستشارية لهذه المراكز تمثل أصحاب قرار سابق أو أصحاب خبرات ثرية أو أصحاب نفوذ اقتصادي كبير وتشكل هذه الهيئات الاستشارية العقل الذي يفكر لهذه المراكز والذي يضع لها إطارها العام والحدود الدنيا والقصوى التي ينبغي السير فيها.. إضافة إلى كون هذه الهيئات تمثل خلية جاهزة ومرشحة إلى أي فراغات تنفيذية في أجهزة المؤسسات الأمريكية السياسية والعسكرية والاستخباراتية والاقتصادية لملئها بالأشخاص الذين يكونون قد تشبعوا بالفكر والسياسة التي تدربوا عليها.. وعندها يكون الفكر المتطرف قاب قوسين أو أدنى من مرحلة التطبيق العملي..
إذن هكذا هي مراكز الدراسات وبيوت الخبرة في الولايات المتحدة المعنية بمناطق العالم ودوله، فهي عبارة عن مصانع للسياسة الخارجية تفكر وتبدع وتخطط وتقنع وتجهز ثم تقوم أخيراً بدور التطبيق من خلال أحد برنامجين.. أما برنامج تقديم المشورة إلى الأجهزة التنفيذية كما هي الحال مع مركز «راند» الذي قدم تقريره الشهير عن المملكة العربية السعودية إلى البينتاجون بحضور كبار الشخصيات المدنية والعسكرية هناك.. أو من خلال برنامج تجهيز الكوادر لتطبيق مثل هذه البرامج والسياسات كما هي الحالة دائماً في استعانة المؤسسات الحزبية بشخصيات فاعلة في مثل هذه المراكز.. وتقوم هي بتطبيق هذه السياسات مباشرة..
وعلى مستوى العالم العربي يقدم مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بصحيفة الأهرام خدمات كبيرة في الاتجاه التوعوي والسياسي في مختلف القضايا العربية.. وكذلك توجد بعض المراكز في لبنان والأردن وبعض الدول العربية، إلا ان الشهرة التي حظي به مركز زايد خلال عمره القصير الذي لا يزيد على أربع سنوات جعل منه أبرز مركز دراسات وفكر تنويري على مستوى العالم العربي.. كما ان قدرته على استضافة شخصيات عالمية ساهم في شهرته وبروز مكانته الدولية..
واليوم، صدمتنا أخبار إغلاق هذا المركز.. والذي كنا نراه العقل المفكر للجامعة العربية بحكم ارتباطها الإداري بالمركز.. وكنا نراه نحن الأكاديميين والإعلاميين منبرا حرا لتبادل الرأي وتلافح الأفكار بين الغرب والشرق.. وكان المركز يمثل - على الأقل في نظري - أهم مركز دراسات وفكر عربي.. استطاع ان يكتسب شهرة عالمية نتيجة الحضور الكثيف لشخصيات عالمية كانت في فترة من الفترات تصنع الحدث العالمي، وكذلك استطاع المركز ان يتناول قضايا ساخنة وموضوعات حيوية في الندوات والمحاضرات التي كان ينظمها بصفة مستمرة..
وكنا نتتبع في المقابل حملات التشهير التي كانت توجهها قوى الضغط الصهيوني داخل المجتمع الأمريكي والبريطاني، حيث كانت هذه القوى تتابع وبصفة مستمرة نشاطات المركز، وتجمع المعلومات عن المحاضرين، ومضامين مقولاتهم، والمطبوعات التي كان يصدرها المركز، والخلفيات السياسية والفكرية لكل من شارك في فعالية من الفعاليات التي نظمها المركز.. حتى ان أصواتا عديدة طالبت بعض أعضاء مجلس أمناء مركز زايد مثل الرئيس جيمي كارتر ان يسحب عضويته من المركز.. ونفس الأصوات كانت تقف ضد مشاركة شخصيات أمريكية في المركز مثل الرئيس بيل كلينتون.. وغيره من الشخصيات العامة..
وإذا تم فعلا إغلاق هذا المركز على خلفية الاتهامات التي كانت تكيلها قوى الضغط الصهيوني في نيويورك وواشنطن، فإننا نعتقد ان هذا يمثل انتكاسة حقيقية لمثل هذه الأنواع من المراكز الحيوية التي يقل وجودها في عالمنا العربي.. وهذا يعكس قوة الضغط الصهيوني على القرار الأمريكي الذي بدوره يضغط في اتجاهات عديدة على القرار العربي أينما كان.. في السياسة أو الاقتصاد في الداخل أو الخارج.. وفي الثقافة والتعليم والفكر وفي صياغة الخطاب الاجتماعي العربي..
وبمثل ما نشعر بفداحة هذه الانتكاسة، نشعر ان هذا الرضوخ سيطال ربما بعضا من مؤسساتنا الثقافية والجامعية والفكرية في مشارق العالم العربي ومغاربه.. وليس أدل على ذلك من خطاب الاستسلام الذي أعلنته ليبيا لتبرير رضوخها للمطالب الابتزازية في قضية لوكربي، عندما قال فخامة الرئيس القذافي ان العالم يعيش في حقبة كونية أمريكية، ولا نستطيع الخروج من شبكتها التي تلف كل انحاء العالم.. وكنا في العالم العربي نتمنى ألا يكون قد قال ذلك، فقد أعلن عن انهزامية محبطة تماما لصاحب قرار عربي في سدة الحكم منذ أكثر من ثلاثين عاما.. وهذه تعتبر نهاية مأساوية ليس للرضوخ لمتطلبات واستحقاقات دولية، ولكن رضوخ مفجع في القناعات وإعلان صارخ عن انهزامية على الملأ الأعلى.. ودون ان تتمكن آلة الدعاية الليبية من تبرير يحفظ ماء الوجه للشعب الليبي والشعوب العربية..وما حدث بالأمس مع الجماهيرية، يتكرر اليوم مع مركز زايد للتنسيق والمتابعة.. ولكن نأمل ان تظل هناك مساحة للتريث دون قرار الإغلاق.. وينبغي ان تشهد الأيام والأسابيع القادمة فترة مرحلة تحرك سياسي فكري إعلامي لوقف عمليات الإسكات القسري والتكميم الإجباري للصوت العربي، ولكل ما يعبر عن حقوق ومتطلبات ووعي وفكر عربي مستقل وعقلاني وغير خاضع لعنجهية الجبروت الصهيوني.. وبنفس المقاييس، لماذا لا نتحرك أفرادا ومؤسسات للمطالبة بإغلاق بعض مراكز الدراسات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة، مثل «أمريكان انتبرايز» أو «راند كوربوريشن» أو غيرها من مراكز التطرف والظلم والانحياز والعنصرية.. لماذا لا نتحرك في مثل هذا الاتجاه؟ ونحن ندرك أنه عندما يتحقق نصر لهذه القوى الصهيونية، فإن ذلك سيزيد من شهيتها لابتلاع مزيد من الأصوات والقوى والمؤسسات والمراكز وربما أنظمة ودولا ومجتمعات عربية..

(*) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم الاتصال أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved