* عنيزة - فوزية بنت ناصر النعيم:
لقد أصبح الطب الشعبي والشعوذة خطراً يهدد بعض النساء اللواتي يقتلهن الفراغ ويداهمهن الوسواس ولا يجدن من يحتضنهن سوى أولئك المشعوذين الذين يوهمون النساء بالمرض ويملكون القدرات الخارقة على العلاج..
ترى من المسؤول عن ترك الحبل على الغارب ويملكون لأولئك الدجالين للعب على العقول وابتزاز أموال الناس؟
وما الحدود الشرعية التي يجب أن يقف عندها أولئك المحتالون.
حول هذا الموضوع كان لنا جولة بين أولئك الذين يطببون الناس ويسلبون أموالهم وبين بعض المقرئين الذين يفكون السحر ويبطلون العين.. كما التقينا ببعض النساء اللاتي يترددن على هؤلاء يقينا منهن بقدرتهم على الشفاء وبأنهم «يملكون عصا موسى».
في بيت أحد المقرئين بالمنطقة لم نستطع الدخول رغم اتساع الفناء بسبب كثرة النساء اللواتي ينظرن مرور المقرئ عليهن ليبللهن بلعابه المبارك إيماناً منهن أن نفس المقرئ فيه بركة وشفاء ، وتمكنا بعد جهد جهيد من الدخول والجلوس بقرب إحدى السيدات التي لم تفتأ تبكي حتى ظننت أن عينيها ابيضت من البكاء.
وبصوت خافت سألتها: ما بك يا خالة؟
ولم أكد انتهي من سؤالي حتى انهالت عليّ بالألفاظ البذيئة، وهي تتهمني بأنني شيطان وأحاول إيذاءها.. فما كان من الشيخ المقرئ إلا أن بادر بإبعادها عني في مكان آخر وظلت طوال الوقت تنظر إليّ وتحاول استفزازي بحركاتها الغريبة، ثم قام المقرئ بتوزيع الجوارب والقفازات على جميع النساء الموجودات، وقمن بلبسها بناءعلى توجيهه وطلب التحشم والتستر.
فبادر بعدها بالقراءة من خلال مكبرات الصوت تسقط بعدها من تسقط وتبكي من تبكي وتصرخ من تصرخ.. والغالبية العظمى ممن ازدادت حالتهن سوءا يحاولن جاهدات خلع ملابسهن وقد وظف المقرئ لديه نساء خصصهن لمنع التكشف.
وعجبت من هذا المقرئ يصف دواء واحداً لا يتغير لجميع المرضى في مختلف أمراضهم وكأنه يشجع العطارين من خلال ترويج بضاعتهم .
ثم يبدأ بالقراءة بصوت خافت حتى تطمئن له المريضة ثم ينهال عليها ضرباً باليمين وهي تصرخ وتستنجد ولكن دون جدوى معتقداً أن من يستغيث على لسانها هو الجان الذي يسكن جسدها وكلما زاد أنينها كلما أوغل في ضربها وتعذيبها حتى تفقد وعيها..
ويوهم المرأة المسكينة أن من كان يستغيث على لسانها هو الجان والأغرب من ذلك أنها تقوم معافاة بعد سيل الركلات أو بمعنى أصح متوهمة العافية داعية لهذا الشيخ بطول البقاء والعافية.
الضرب وسيلة للعلاج
وفي أحد المساجد يقطن رجل كبير السن ترد إليه النساء في أوقات محددة يشتكين له أمراضاً عديدة ومختلفة.
وعند باب المسجد انتظرنا طابور النساء أثناء الخروج وسألنا السيدة «أم عبدالله»: ما سر زيارتك لهذا المكان؟ ولماذا تؤمنين بهؤلاء.. فردت بصوت عال وبكل ثقة قائلة: هذا كلام الله وهو أفضل من الأطباء الذين يوهموننا بالمرض ويصرفون لنا الدواء الذي ينهك أجسادنا ويجعلنا دائماً نغط في سبات عميق. إن هذا الشيخ - جزاه الله خيراً - يشرح صدورنا بتلاوة الآيات ويخفف عنا أحزاننا.
قلنا للأخت أم عبدالله إن هذا الشيخ يمارس الضرب وهذا غير جائز.
فقالت وماذا تنتظرون منه أن يفعل إذا كانت المرأة مسكونة والسكني لا يخرج إلا بالضرب والتهديد. سألنا أم عبدالله منذ متى وأنت تترددين على هذا المقرئ ؟
أجابت: منذ أكثر من شهر..
وسألنا: أوَ لم تشفي حتى الآن؟
قالت: بلى، والحمد لله ولكني أتردد عليه برفقة قريباتي ومعارفي.
فقدت عيني بسبب القارئ
وفي إحدى مستشفيات القصيم وفي قسم الإسعاف التقينا بسيدة كانت تعاني من نزيف في عينها اليسرى وسارع الأطباء في عمل الإسعافات الأولية لها وتم استدعاء الشرطة للتحقيق معها وعن حالتها فقالت: كنت عند أحد المقرئين وكان يقرأ عليّ تلاوات معينة من كتاب الله ثم انهال عليّ ضرباً حتى سقطت مغشياً عليّ.. وما عدت لصوابي حتى وجدت نفسي مكبلة الأيدي والمقرئ يحاول إدخال أصبعه في عيني بغية إخراج الجان وكانت المرأة خائفة تترقب ظناً منها أن المقرئ يدرك أنها الآن تروي قصتها.
التداوي هو الكي
وفي أحد المستوصفات الأهلية التقينا بالسيدة «أم محمد» وكانت تعاني جروحاً ومتقيحة في يديها ورجليها وعلى بطنها.. وعلمنا منها بأن إحدى الأخوات اللواتي يمارسن العلاج الشعبي قامت بكيها بالنار حتى تشفى من مرض الربو والحساسية.. وقد تعرضت المرأة إلى التهابات شديدة وانصرفت عن مرضها الأصلي لعلاج الجروح والالتهابات التي سببتها أثار الكي.
والأغرب من ذلك والأمرّ.. إننا حينما قمنا بزيارة السيدة الطبيبة وجدناها تعاني من أمراض مزمنة وخطيرة وحري بها أن تعالج نفسها قبل تطبيب البشر.
العطار يقوم بدور الصيدلي
وبين محلات «العطارة» كان لنا جولة حيث تعرفنا على أسماء كثيرة وأشكال غريبة للأدوية الشعبية ويبدو لي العطار في هيئة كمن يتقمص دور الصيدلي الماهر فيسأل «المراجع» الذي يطلب دواء للكحة والحساسية، هل كحتك ناشفة أم مصحوبة ببلغم؟ وعلى ضوء الإجابة يختار أحد الأكياس المرصوصة في الرفوف داخل المحل ويصف للمريض كيفية استخدامها مع زيت الزيتون الأصلي وحبة البركة.
سألنا العطار هل هذه الأدوية ذات فائدة ولها مفعول قوي؟
أجاب مؤكداً أن المرضى لا يأتونه إلا حينما تفشل معهم جميع الأدوية الحديثة.. وقال: إن مفعولها قوي فهي مواد طبيعية إذا لم تنفع لن تضر.
أدوية تتوقف على التجربة
وفي المحل المجاور شاهدنا العطار وهو يقوم بتنقية الأدوية وطحنها وخلطها وتصنيفها حسب الأمراض المخصصة لها لتكون جاهزة في متناول الطلب حفاظاً على وقت المريض.. ونتساءل يا سيدي العطار هل هذه الأدوية مناسبة لكل شخص؟ بمعنى ألا تتوقعون وجود حساسية معينة عند أحد الأشخاص ضد هذه الأدوية؟
وينفي العطار وجود مثل هذه الأعراض الجانبية وأنها أدوية طبيعية مأمونة أكثر من غيرها.. ثم بإمكان الشخص بعد الاستعمال حينما يشعر بأي مضاعفات أن يتركها ببساطة.
كبيرة من كبائر الذنوب
وبعد هذه الجولة الحافلة بالأحداث الغريبة تحدثنا مع الدكتور علي بن محمد العجلان المدير العام لفرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، لمعرفة رأية إلى ما وصل إليه الناس من مبالغة في استخدام الأدوية الشعبية وزيارة المقرئين فقال: لا شك أن القراءة الشرعية بمقتضاها الصحيح هي أسلوب علاجي ناجح فلقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة آيات وأدعية شرعية على الإنسان المصاب بأي مرض عضوي أو نفسي أو عين والأولى والأفضل قراءة الإنسان على نفسه عند أدنى عارض، فلقد قال تعالى: (فيه شفاء للناس)، وقال سبحانه: (وإذا مرضت فهو يشفين)، ولقد قال صلى الله عليه وسلم عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه.. أن ناساً من أصحاب الرسول أتوا على حيّ من أحياء العرب، فلم يقروهم، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواء أوراق فقالوا إنكم لم تقرونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلاً. فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء. فجعل يقرأ بأم القرآن، ويجمع بزاقه وتنفل، فبرأ فأتوا بالشاء، فقالوا لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه، فضحك وقال: وما أدراكم أنها رقية؟ خذوها واضربوا لي بسهم».
وأما الأدوية التي تصرف من قبل الأطباء الشعبيين فلها أضرارها إذا لم يكن هناك علم ودراية بكيفية اعطائها للمريض ومعرفة حالته التي يعاني منها ثم إن هذه الأدوية أصبحت تصرف أحياناً من منطلق المتاجرة دون مراعاة لحال المريض الذي أصبح لديه الاستعداد الكافي لتقبل أي شيء طالما أن ذلك قد يضمن له العافية على حد وصف الطبيب الشعبي المعالج ومما يلفت النظر أن أغلب مراجعي هؤلاء الأطباء الشعبيين هم من النساء وكما يعلم الجميع أن النساء قد فطرن على الضعف فإذا أصيبت الواحدة منهن بأي داء قبلت أي علاج دون توقع أي مضاعفات وهذه المشكلة الأساسية في هذا الأمر المطروح وبالنسبة للقراء وما يحصل من ضرب لمن يقرأون عليه لإخراج ما فيه من الجان فلا أعلم أن هذا الأمر جائز ولم ينقل عن سلف الأمة وعلمائها، بل يفعله العامة ومن ليس لديهم علم شرعي والمنقول القراءة على المصاب.
إذا هناك خلل واضح في التعامل من كلا الطرفين نحو هذه المشكلة ولكن هذه الظاهرة والحمدلله بدأت السيطرة عليها وبدأ المسؤولون عن ذلك بوضع الضوابط المشروعة للقراءة وكذلك المتابعة لأحوال المقرئين والتأكد من سلامة منهجهم ووزارة الشؤون الإسلامية من الجهات المعنية بهذا الأمر ولها مساهمات في هذا الجانب وسبق أن قامت بعدة دراسات والاشتراك بعدة لجان للبحث والمتابعة والتحري للراقين وتم ايقاف بعضهم لأسباب مخلة ومخالفة للهدي الصحيح المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح كما أن البعض ما زال تحت المراقبة من قبل المعنيين بهذا الجانب وأنصح أولئك الإخوة الذين يذهبون إلى الراقين أو المزاولين للطب الشعبي أن يتأكدوا من سلامة منهجهم ومعتقدهم وخلوه من البدع والخرافات وإذا شكوا من شيء أن يعرضوه على طلاب العلم الشرعي والحرص دائماً على عدم الخلوة بالنساء وعدم استعمال أي علاج وأدوية إلا بعد العرض على العلماء المشهود لهم بالعلم والخبرة وسألنا فضيلة الشيخ الدكتور علي عن رأيه بمن يترددون على الكهنة والعرافين.. فقال: لا يجوز على الإطلاق اتيان الكهنة والعرافين والمشعوذين إذ أن ذلك كبيرة من كبائر الذنوب في كتاب التوحيد.
طول العلاج يُلجئهم للمشعوذين
وفي قسم الطب النفسي في مستشفى الملك سعود بعنيزة رغبنا حتى تتكامل الرؤيا أن نتعرف على الجانب النفسي الذي يعتبر هو الدافع الأساس لزيارة هؤلاء المشعوذين أو استخدام الطب الشعبي فكان لنا لقاء مع الدكتور مازن أحمد الرشيد استشاري الأمراض النفسية فقال: منذ زمن يلجأ كثير من الناس إلى المعالجين الشعبيين بحثاً عن تفسير لهذه الأمراض النفسية وأملاً في الحصول على دواء أو طريقة للعلاج أملاً في الشفاء وذلك لأن الأمراض النفسية غالباً ما تبدأ بأعراض غريبة وغير مفهومة ونظراً لنقص الثقافة والمعرفة بالطب النفسي وهي غالباً لا تسفر على أنها مرض نفسي لذلك فهم يلجأون إلى المعالج الشعبي.. وتتعدد أسباب تردد هؤلاء الناس على المعالج الشعبي ومنها:
الإيحاء وطول فترة العلاج النفسي والخوف من الأدوية لأنها قد تسبب إدماناً والبعض الآخر يخجل من زيارة الطبيب، وبعض الناس يعتبر المريض النفسي مجنوناً لذلك فهم يهربون من العيادة النفسية إلى المعالجين والمشعوذين بمعية أقاربهم معتقدين بأن سبب مرضهم هو السحر والجن.
ظواهر قديمة
وعن الأمراض النفسية قالت الدكتورة سحر محمد أحمد أخصائية الأمراض النفسية: تعد الأمراض النفسية والعقلية ظواهر قديمة قِدم الإنسان، ولم يكن الإنسان يعرف لها سببا إلا القوى الخارقة التي يقف أمامها ضعيفاً محتاراً، ومن هنا فإن أي محاولات علاجية لها كانت تلقى قبولاً واسعاً لدى بني البشر ومهما كان نوعها وطريقتها، وكان يقوم على هذه الطرق العلاجية أشخاص يدّعون قدرات غير عادية في محاربة هذه الأمراض والتعرف على معظم أسبابها وثبوت ذلك قطعياً فنجد أن الناس لا زالوا يتعاملون مع هذا الإرث غير العلمي في التعامل مع الأمراض النفسية، مما يحتم علينا دوماً تذكير الناس بأن للأمراض النفسية والعقلية أسباباً بيولوجية يمكن معالجتها وقد خطا علم الطب النفسي الحديث خطوات رائدة في تحديد التشخيص والدواء الناجع، ولا يعني ما تقدم أننا ننكر فضل العقيدة الإسلامية لا سمح الله، بل على العكس فالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فسر لنا الكثير عن الجوانب الخاصة بالحياة النفسية والعقلية للإنسان ونحن كأطباء نحث على قراءة القرآن لأننا موقنون بأن فيه شفاء للناس ولم يمنعنا القرآن من الأخذ بأسباب العلاج المادية وبالتالي فإننا نشجع الناس على ارتياد العيادات النفسية من أجل التشخيص الدقيق والأصح للأمراض وهذا لا يتعارض مع أي حكم من أحكام الإسلام حيث إن المرض النفسي مثله مثل أي مرض آخر عضوي يتعرض له أي إنسان مهما كان جنسه أو لونه ويحتاج إلى علاج دوائي كبقية الأمراض وقد شهدنا شفاء الكثير من الأمراض بإذن الله.
|