في لقاء مع الشيخ خالد بن محمد الزريقي المشرف العام على الدورات العلمية بمسجد علي بن المديني، حول الدورات الشرعية والعلمية المكثفة بمسجد علي بن المديني سألناه في موضوعات عدة في هذا المجال فألقى بإضاءاته حولها :
قال: «دورة مسجد علي بن المديني بالرياض بحي الروضة هي عبارة عن دورة شرعية مكثفة يشارك فيها مجموعة من كبار مشايخ هذه البلاد ولله الحمد والمنَّة، ويختار لهذه الدورة عدد من المتون العلمية خلال مدة وجيزة يخرج فيها طالب العلم بفائدة قد لا يحصل هذه الفائدة إلا في أشهر.
* كيف وجدتم الصدى والمتابعة العلمية لهذه الدورات المباركة؟
- إن مما يثلج صدر المؤمن انتشار مثل هذه الدورات المباركة وإقبال الناس عليها والسؤال عنها قبل بدايتها بعدة أشهر، وهذا يدل على أن حاجة الناس إلى العلم الشرعي أشد أحياناً من حاجتهم إلى الطعام والشراب، والعلم الشرعي لا يعدله شيء، به يرفع الإنسان نفسه من الجهل، وبه يتعلم الإنسان الحلال والحرام، والخير من الشر.
* يلاحظ المتابع تقارب الدورات العلمية في الزمن والمكان مما يقلل فرص الإفادة منها لطالب العلم ما تعليقكم؟
- لا يخفى على كل إنسان أن المدن تختلف عن القرى من حيث ا لمسافة، فمثلاً مدينة الرياض لو أقيمت فيها أربع دورات متزامنة في وقت واحد لكنها متباعدة في المسافة لكان في ذلك خير كبير.
لكن ثمة مشكلة يقع فيها من يقوم يستفيد الدورة، وهي أن كل مشرف دورة لا ينظر للمصلحة الشمولية التي من أجلها أقيمت الدورة، فالدورة يستفيد منها عامة الناس فضلاً عن طلاب العلم، فلو نظر كل مشرف إلى المصلحة العامة التي من أجلها تقام الدورة، ونظر بعين الاعتبار إلى الوقت الذي سيقضيه هو بالتنسيق والترتيب والتخطيط والاستشارة
فضلاً عن الوقت الذي سيقضيه الشيخ والطالب لكان في ذلك إعادة نظر إلى التقديم والتأخير في إقامة مثل هذه الدورات النافعة لأنها تأخذ من جهد الإنسان ووقته وتفكيره الشيء الكثير.
وثمة أمر آخر وهو أن هناك ظاهرة تقارب الدورات في وقت واحد، بل تجدها في منطقة واحدة لا تبعد الدورة عن الأخرى إلا مسافة قريبة، وهذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر وترتيب من قبل القائمين عليها، والذي يدفع الإخوة لإقامتها في مثل هذه الصورة هو الخير الذي امتلأت به قلوبهم، نسأل الله أن يكثر من أمثالهم، لكن لو حصل مع حبهم للخير تنظيم وترتيب لخرج هذا الخير في ثوب مناسب يلبسه جميع الناس.
فالمناسب في مثل هذه الحالة هو التنسيق بين مشرفي الدورات الشرعية واستفادة بعضهم من البعض الآخر في زمن ومدة الدورة العلمية التي تشرح فيها وذلك لتخرج الدورات لها طابع مميز يستفيد منها الناس عموماً.
فإذا أقيمت دورتان على سبيل المثال في منطقة و احدة فمن المصلحة أن تكون دورة المسجد الفلاني صباحية بعد الفجر ثلاثة دورس أو درسان، وبعد الظهر درس واحد، ودورة المسجد الفلاني مسائية درسان بعد العصر، ودرس بعد المغرب، ودرس بعد العشاء، بحيث يحصل الخير لجميع من يحضر الدورتين، ولا يكون هناك مزاحمة في الوقت وفي الدورات لأن الاجتماع والتنسيق والترتيب مطلب الجميع.
وثمة أمر ثالث وهو قضية تقارب مناهج الدورات الشرعية وتقارب زمن إقامتها، فالمفترض أن تكون الدورات التي تقام في زمن واحد مختلفة في المتون التي تشرح فيها حتى يتسنى للإنسان الاستفادة من الدورتين بقدر المستطاع.
وهناك اقتراح مناسب في هذه الحالة:
وهو أن مشرف ا لدورة لابد أن يكون عنده بعد نظر لإقامة مثل هذه الدورات، وأن لا يضع تصوره لتحقيق هدفه خلال سنة أو سنتين أو ما شابه ذلك، وإنما من المفترض أن تكون له خطة زمنية كل خمس سنوات ينتهي من خلال إقامة الدورات بمتون علمية تأصيلية ناسبت الطالب المبتدئ والمتوسط.
أما السلبيات واللائمة فلا شك أنها تقع على مشرفي الدورات بالدرجة الكبرى، فتوحيد الجهود وتلاقح الأفكار واستفادة كل شخص من تجربة أخيه تختصر له الوقت والجهد، بل لو تأمل الإنسان في واقع الناس وخاصة طلبة العلم المبتدئين منهم والمتقدمين وما يحتاجونه من دورات وعلوم ومعارف لاحتار في اختيار المناسب منها لأن هناك دورات في فنون مهمة لم تطرح على شكل دورة والله المستعان!.
* هل تتفقون مع القول بأن الدورات العلمية تخاطب المبتدئ ولا حظ للمنتهي منها؟
- تختلف طبيعة كل دورة عن دورة ، فخذ على سبيل المثال:
لو أن هناك مسجد يحب أن يقيم دورة وهي الأولى من نوعها، فأقترح أن تكون المتون التي تشرح فيها تناسب الطالب المبتدئ فقط ليرتقي بعد ذلك من متن إلى متن، فما يمضي عليه سنوات قليلة إلا وتجد أنه قد استفاد من المتون التي أخذها في هذه الدورة.
وغالب ما يحضر الدورة هم من طلاب العلم المبتدئين أو المتوسطين، أما طلاب العلم الذين تمكنوا من العلم الشرعي وأصبح عندهم من العلم الشيء الكثير منهم قلة:
وبالنسبة للمسجد الذي يقيم دورات متتالية لابد أن تكون عنده النظرة التي يسعى من خلالها لتحقيق رغبات الفئات الثلاث المبتدئ والمتوسط والمنتهي، ومن الخطأ أن يكرر المسجد الواحد متون علمية سبق وأن تم شرحها والانتهاء منها، ومن المفترض أن يلتفت إلى متون علمية لم تشرح حتى يستفيد منها طلاب العلم المنتهون حتى لو لم ينتهي شرح المتن إلا بعد خمس سنوات، ولو لم يكن ثمرة هذا الإنجاز خلال خمس سنوات إلا تعويد طلاب العلم على الصبر وعدم العجلة في تعلمهم لكان في ذلك درس مفيد في الصبر والتحمل!!
وثمة أمرٌ آخر : هو أن بعض منسقي الدورات لا يهتمون إلا بالمتون الصغيرة التي سبق وأن شرحت عدة مرات، وتجد الطالب المنتهي يحب أن يحضر درساً أو درسين فلا يجد ما يناسبه، فلو وضع في الدورة درس واحد أو درسين حتى يكون للمتقدم فيها نصيب لكان في ذلك خير عام للجميع.
* يبدو أن الدورة العلمية تتيح فرصة سانحة للعَالِم والمتعلِّم من إنهاء شرح المتن في مدة وجيزة؟
- الناس يختلفون في النظرة إلى الدورة، منهم من ينظر إلى أن الدورة إنما هي فرصة للانتهاء من متن علمي خلال أسبوع أو أسبوعين، وربما لو أخذ هذا المتن خلال العام الدراسي قد لا ينتهي منه إلا في سنة أو أقل من ذلك! فيوفر الوقت ولا يحضر عند المشايخ من خلال الحلقات العلمية الأسبوعية التي في المساجد وتجده ينتظر إلى أن تأتي الإجازة الصيفية ويأخذ العلم من خلال الدورات الشرعية فقط وهذا على خير عظيم إن شاء الله.
ومنهم من لا يهمه الانتهاء من المتن العلمي بقدر ما يهمه ثبات العلم والفائدة المرجوة من تعلم العلم، وهذا في الحقيقة هو الأصل الذي ينبغي أن يجعله الإنسان نصب عينيه.
أما أن الدورات الشرعية هي فرصة للانتهاء من متن علمي فتوفر الوقت:
في نظري القاصر أن العجلة في للانتهاء من متن علمي لا يصلح إلا إذا تعاهد الإنسان الرجوع إلى المتن العلمي مرات ومرات بحيث ترسخ المعلومات عند الإنسان، وهذا خلاف ما عليه واقع كثير من الناس اليوم بعدم المراجعة والضبط.
ويختلف متن علمي عن متن علمي آخر، فالمتون القصيرة يمكن الانتهاء منها خلال أسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة، ولو أن الإنسان انتهى منها خلال هذه الفترة الوجيزة ستمر عليه سنوات قادمة يحتاج إلى متن علمي أكبر منه فيحتاج إلى ثلاثة أمور تقريباً:
أولاً: إما أن يختصر الشارح - المتن العلمي - اختصاراً شديداً بحيث تصبح الفائدة من هذا المتن استعراض ما فيه من فوائد عارضة وقد تكون هناك فوائد لم يذكرها.
ثانياً: وإما سيقسّم المتن العلمي إلى قسمين - بحيث يؤخذ القسم الأول منه في السنة الأولى والقسم الآخر في السنة ا لثانية مع استعراض المتن كاملاً واحتواء كثير من الفوائد والشوارد العلمية.
ثالثاً: وإما أن يزاد في وقت الدورة بحيث تصبح شهراً كاملاً ونصف، وأظن أن هذا محرج للشارح وللطالب وخاصة أن الناس عندهم من الأشغال والارتباطات الشيء الكثير والله المستعان!
* ماهي في نظركم الآلية المناسبة لتقييم مستوى الدارسين في الدورات العلمية، وهل تعطي الدورة الدارسين فيها شهادات في نهايتها؟
- لكثرة الأعداد التي تحضر الدورة لا نستطيع أن نحتوي مالا يقل عن ألف وخمسمائة دارس ما بين رجال ونساء في فترة وجيزة لتقييمهم وإصدار شهادات لهم معتبرة من قبل الدورة.
لكن هناك اقتراح مناسب في نظري وهو أن يعلن لمن يرغب الشهادة في متن علمي بتسجيل اسمه في بداية الدورة بشرط أن يكون في نهاية الدورة مناقشة علمية من الشيخ الذي شرح المتن أو من لجنة علمية يقترحها الشيخ، وتكون المناقشة شفهية أو تحريرية ويعطى اجتيازاً في هذا المتن بتقدير كذا وكذا.
ولعل فكرة الشهادات والإجازات في المتون العلمية ينظر لها تحت ضوابط وأسس وقواعد ويستشار فيها نخبة من المشايخ وطلاب العلم، ويرجع في ذلك إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد للاستنارة برأيها.
* وقد مضى على إقامة الدورات العلمية قرابة العشر سنوات، كيف تقيّمون هذه التجربة؟
- العامل في حقل الدورات العلمية ينظر إلى أن الدورة العلمية تحتاج إلى إعادة نظر وتأصيل وتجديد، وخاصة وأنه ولله الحمد والمنة في السنوات الأخيرة نشاهد إقبال الناس على هذه الدورات المباركة.
وبالنسبة لتقييم الدورة العلمية - أظن أن تقييم أي عمل إسلامي لا يكون إلا بعد فترة طويلة لا تقل عن عشر سنوات - هذا في نظري - حتى يخرج من يقيّم هذا العمل بنتيجة واضحة ومدروسة.
أما نتائج الدورة العلمية، فالدورة لها نتائج مباركة وواضحة ولله الحمد والمنة، فمن ضمن نتائجها على سبيل المثال:
أولاً: خلال الدورة العلمية الخامسة عام 1421هـ وأثناء درس سماحة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، وكان الدرس بعد صلاة المغرب - تأثر اثنان من الجنسية الفلبينية وكانت ديانتهم نصرانية وكانا يخدمان في الإعاشة اليومية للدورة، وتفاجآ بالعدد الكبير من الحضور وكأنهما يفتشان عن شيء مفقود، فطلبا من أحد الإخوة أن يخبرهما عن هذا الحضور وماذا يصنع هؤلاء! طبعاً أخبرهم أحد الإخوة بأن هؤلاء الحضور يستمعون ويستفيدون من درس سماحة الشيخ الوالد محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله وكان درس سماحته في أركان الإيمان الستة وهي: الإيمان بالله، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر. والإيمان بالقدر خيره وشره.
فأخبرهم بأسلوب مناسب عن هذا الدرس فطلبا أن يسلما، فأبلغنا الشيخ رحمه الله، فسمى أحدهما: (عبدالله، والآخر عبدالرحمن) وكان المشهد حقيقة مفرحاً للجميع، فاستقبل الناس هذين الرجلين استقبالاً حاراً بقلوب يملؤها الإيمان والطمأنينة.
ثانياً: ومن ضمن نتائج الدورة العلمية السادسة 1422هـ توبة أحد المطربين وذلك باستماعه للدروس العلمية عبر موقع مسجد علي بن المديني على شبكة الإنترنت، وقد أرسل إلى فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي - رسالة طويلة يطلب فيها من الشيخ الدعاء له بالثبات على طريق الخير والصلاح، وقد حضر بنفسه الدورة ليستمع إلى تأمين الحاضرين له وذلك بدعاء الشيخ جزاه الله خيراً.
إلى غير ذلك من النتائج والثمرات التي قد لا أدركها ويدركها الآخرون وهذا بفضل الله عز وجل أولاً وآخراً.
* خلال السنوات الأخيرة نرى تطوراً سريعاً حول الدورات الأسبوعية وذلك بنقلها عبر شبكة الإنترنت، ما هي فوائد نقلها؟
- لا شك أن بث دروس الدورات العلمية بشبكة الإنترنت من الوسائل المفيدة لكل الناس وخاصة من يكون خارج المملكة ويتعطش لمتابعة مثل هذه الدورات السنوية المباركة، ومن فوائدها.
(1) سهولة تلقي العلم الشرعي بأسهل الطرق وأوفر السبل.
(2) متابعة من هو خارج المملكة وداخلها لهذه الدورات العلمية.
(3) تبليغ العلم الشرعي لكل الناس عبر هذه الوسيلة الدعوية النافعة.
* هل يتم تسجيل الدورات عبر CD
- أما ما يتعلق بتسجيلها عبر CD فهو مطلب لحفظ العلم وبثه لمن لم يتابع الدورة أولاً بأول.
وقد انتهينا ولله الحمد والمنة من تفريغ أشرطة الدورة الخامسة والسادسة ووضعها على CD وهي موجودة الآن بسعر مناسب.
* تشتكي التسجيلات الإسلامية من طلاب العلم بأنهم لا يقبلون على شراء الأشرطة التي تسجل دورس الدورات وأنهم يتعاملون معها تعاملاً وقتياً فقط؟
- يختلف الناس في ذلك اختلافاً جذرياً، وليس كل طلاب العلم يتعاملون مع أشرطة الدروس العلمية تعاملاً وقتياً، بل هناك من طلاب العلم وحتى العامة من يتابع شروحات المتون العلمية عبر أشرطة الكاسيت، وإنما هناك شريحة من الناس من يتعامل مع هذا تعاملاً وقتياً والسبب في ذلك والله أعلم يرجع إلى أصحاب التسجيلات الإسلامية من حيث:-
(1) عدم جودة التسجيل، فتجد في بعض الدروس أن التسجيل ضعيف أو متقطع وما شابه ذلك.
(2) أسعار الأشرطة تجدها مرتفعة جداً، ولذلك تجد بعض طلاب العلم لا يشتري جميع الأشرطة وإنما يختار ما يناسب بسبب غلاء الأسعار.
(3) تأخر التسجيلات الإسلامية بإخراج دروس الدورة العلمية أو أشرطة الدروس بعد فترة طويلة.
(4) سوء التخطيط للدعاية الإعلانية لأشرطة الدورات العلمية أو الدروس الأسبوعية من قبل التسجيلات الإسلامية بخلاف أشرطة المحاضرات العامة فتجد أصحاب التسجيلات ينهضون للدعاية الإعلانية في المجلات الإسلامية والصحف المحلية وغيرها.
|