إنها رحمة الله تعالى الواسعة التي يتراحم بها العباد يرحم بعضهم بعضاً ويألف بعضهم بعضا وتكون أجلى مواقف الرحمة وأكرمها وألطفها عندما يشتد الأمر وتعظم المصيبة ويحدث الفرج بعد الشدة، هذا شاب قتل آخر فلما قتله قدموا جميعاً إلى المحكمة للمطالبة بالقصاص ولان القضاء الشرعي يجنح إلى الرحمة بالناس وإلى التعطش لسلامة الدماء وحقنها ولان القتل انفى للقتل ولان الله يقول وهو اصدق القائلين: {(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) } كان القصاص من أعظم محاسن الشريعة الإسلامية ولكن يكتنف هذا القصاص أبواب من الرحمة وأبواب من الشفقة ولذلك تتجلى قيمة الرحمة عندما يكون في قمة اللحظات التي قدم فيها للقصاص، وتتراءى الأيام أمام هذا السجين الذي صدر عليه حكم بالقتل وينتظر القتل ثم يقدم لساحة القصاص في بلدته الصغيرة فإذا يد الرحمة الكريمة ووسائط الخير يقتربون رويداً رويدا من خصمه ويحاولون إقناعه وهو في غاية القدرة وتمام الاستطاعة بأن يشفي غليله ويقتل قاتل صاحبه ولكنه استجابة لوسائط الخير ومداخل المحبة وأبواب الرحمة يستجيب ويتفاعل ويقر بأنه سيعفو عن صاحبه بشرط ان لا يبقى صاحبه في ديرته اذا خرج من السجن يوماً واحداً هو واهله ويستجيب الجاني لهذا الشرط ويتكرم امير الانسانية سلطان الخير ويقدم مبلغاً مالياً كبيراً هو ثمن الصلح الذي جرى في تلك اللحظة، ثم بعد ذلك تتدخل عواطف الرحمة في القضاء وكرامتها فيطلب ذلك القاضي الموفق المبارك من امير الإنسانية أن يعين هؤلاء الذين سيرحلون لانهم فقراء معدمون وسينتقلون من قريتهم الصغيرة الى مكان ارحم واكبر ولكنه اشق كلفة ومبلغاً ومالاً فيتكرم الامير الجليل ويشتري لهم داراً ويؤثثها ويسكنهم جزءاً منها ويستغلون جزءاً آخر في ايجاره واعتباره دخلاً لهم يقتاتون منه ويكتسبون وينتشرون في ارض الله الواسعة، انها رحمة الله العظيمة التي يتراحم بها الخلق في عطاء مستمر يذكرنا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي قال هلكت واهلكت وقال والله ما بين لابتيها اهل بيت افقر مني قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - اذهب واطعمه اهلك فتبسم - صلى الله عليه وسلم - ، إنها الشريعة الغراء الكاملة التي يصلح الله بها العباد واصلح الله بها الاولين والآخرين وهي صاحبة المقام الأرفع وهي التي لها المستقبل الباسم بإذن الله تعالى المشرق بوعد الله الصادق الذي لا يتعري المؤمن شك في وجوده وتحققه، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من جنوده المخلصين وأن يغفر لنا ذنوبنا إنه سميع مجيب.
|