إننا نعيش الجغرافية في كل لحظة من حياتنا، فهي المكان عند البعض، وهي المكان والزمان عند البعض الآخر، وهي المكان والزمان والإنسان عند بعض البشر، وربما يكون هذا الطرف الاقرب إلى واقع الحال، فالجغرافيا حاضر ومستقبل وفي نفس الوقت ماض، وهي التاريخ بكل معانيه، وهي الحضارة بمقوماتها، وهي الإنسان الذي يؤثر ويتأثر بها بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
لكل أمة مناهجها التعليمية التي تستجيب لمتطلباتها، ونحن - والإسلام رائدنا وقائدنا - ، إنما كل مناهجنا تخدم عقيدة واحدة لا ثاني لها، ألا وهي عقيدة الإيمان، وظلال الإسلام التي لا نحيد عنها، ولهذا كان من الطبيعي، والمنطقي أن تكون كل أمور حياتنا إنما تتجه بهذا الاتجاه المبارك، الذي لا يعني الا السعادة.
إن دراسة الجغرافية هي جزء من المناهج التي تبدأ مع الطالب صغيراً وكبيراً ويبقى معه طيلة حياته، فهي ليست معادلة رياضية يجوز نسيانها، وإنما هي ارتباط صميمي بواقع عضوي، بحياة عملية، بمسيرة أمة، وحركة تاريخ، إنها العلم الاستراتيجي للفرد والأمة، وعندما لا تلبي ذلك فهناك خلل ما في جانب ما، يجب تلافيه بأسرع ما امكن.
فالجغرافيا ليست معرفة حدود ومناخ فحسب، بل هي علم الزمان والمكان لو صح التعبير، ومع ترابط صميمي بالإنسان، فهناك الموقع يدرس بالجغرافيا، ولكن يكون أجمل لو درس الموقع وتأثيره الجغرافي والديموغرافي والحياتي على واقع البشر، وهناك الحدود والترابطات ولكن يزداد عمقها وجمالها عندما تدرس من واقع دلالتها الوطنية وتأثيرها على مسيرة الدعوة، وانتشار الدين الحنيف.
إن الجغرافيا هي بوابة التجارة، والسياسة، والاقتصاد، والثقافة، والفنون والآداب، ومجموع ذلك هو المدخل العريض للدعوة، وقديماً عرف المسلمون ذلك، فهاهي كبرى البلدان الاسلامية في العالم إنّ ما وصله الإسلام بتجارة جابت البحار، وعرفت الجغرافيا واقعاً حياً، ومثالنا الكبير اندونيسيا وماليزيا وعموم جنوب شرق آسيا، فلم يؤثر البعد عن انتشار الدعوة، بل كان دافعاً وحافزاً لها.
إنه من الضروري أن نصل بالجغرافية إلى آفاق الدعوة والسياسة عبر معرفة الخصائص المميزة للشعوب وبيئاتها لوضع خطط تنسجم مع حضارة اليوم، وتكون عوناً للامة، وعلماً نافعاً لكل ابنائها، وفي هذا كل الخير للمجتمع والأمة بإذن الله.
اما التاريخ وهو ابن الجغرافيا او صنوها فبالطبع يلزم العمق النفسي، والاثر الحيوي، والمفعول الديناميكي المستمر، كي يكون عوناً للجغرافيا بفعلها الدعوي، وانتصاراً للحق.
إننا عندما نتحرى نقاط الضعف في مناهجنا وننطلق بها نحو آفاق المجد والسؤدد، إنما نزيد الامة قوة، والعلم إشراقاً والحضارة نوراً، والنتيجة بالطبع خير للأمة كل الأمة، والله من وراء القصد.
|