تحقيق : عبدالله بن ظافر الأسمري (*)
يقول الله سبحانه وتعالى { )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } وقد جعل الله سبحانه وتعالى هذا التشريع العظيم من خصائص هذه الأمة المحمدية، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لصلاح المجتمع ودرء كثير من المنكرات واستنهاض النفوس إلى الخيرات.
ولهذا حرصنا - بإذن الله- على مدى حلقتين بيان أهمية هذه الشعيرة وحكمها وأحكامها وأصولها ثم نتناول أيضاً بعضاً من جهود الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في التواصل مع فئات المجتمع المختلفة لتفعيل هذه الشعيرة العظيمة، وبعيداً عن الاسهاب نترككم مع حديث المشايخ الفضلاء وجوانب الموضوع المتعددة.
جامع شامل:
يفتتح الحديث عن هذا التشريع الرباني العظيم ومعانيه السامية، فضيلة مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة نجران المكلف الشيخ تركي بن نادر الدوسري حيث تحدث فضيلته عن المعنى الجامع الشامل لهذا الأمر وبين بعض جوانبه فقال فضيلته: عرف العلماء رحمهم الله تعالى ومنهم الماوردي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأنه: «أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن منكر إذا ظهر فعله» وبين فضيلته أن هذا التعريف يعتبر جامعاً شاملاً مفصلاً حيث إن المعروف: هو ضد المنكر وهو (اسم جامع لكل ما تعرف عليه الناس من طاعة الله سبحانه وتعالى ولهم عليه من الله برهان أو دليل سواء كان ذلك قولاً أو فعلاً أو اعتقاداً وسارت عليه الأمة المحمدية وتلقته بالقبول) فإن استمر الناس على طاعة الله ورسوله بالقول والفعل والاعتقاد فهذا هو المطلوب ولا حاجة إلى الإنكار ولأنه لم يظهر لنا تركه، وكذلك العكس إذا استمر الناس على ترك المنكر ولم يتبين لنا أنهم فعلوا هذا المنكر لا حاجة لنا إلى النهي لأنهم انتبهوا من أنفسهم بدون توجيه، أما إذا ظهر تركهم للمعروف وفعلهم للمنكر فهنا يجب وجوباً النصح والارشاد والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في إطار الحكمة والموعظة الحسنة وفي اطار تغيير المنكر بدرجاته الثلاث الواردة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه والذي قال فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).
التلازم:
وأكد فضيلة الشيخ الدوسري أن المعروف والمنكر أمران متلازمان وبين ذلك بقوله فالذي يأمر بالمعروف الذي سبق تعريفه هو في الحقيقة ينهى عن المنكر مثاله قوله تعالى {وّأًمٍرً أّهًلّكّ بٌالصَّلاةٌ وّاصًطّبٌرً عّلّيًهّا }.
فهنا أمرهم بالمعروف وهي الصلاة ونهاهم في نفس الوقت عن المنكر وهو تضييع الصلاة ودليله قوله تعالى { )فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً}.وكذلك النهي عن المنكر مثلاً الذي ينهى عن عقوق الوالدين فهذا بلا شك من كبائر الذنوب المنهي عنها فكأنك تقول: «صل رحمك وبر والديك واحرص على رضاهما» ودليله قوله تعالى: {وّقّضّى" رّبٍَكّ أّلاَّ تّعًبٍدٍوا إلاَّ إيَّاهٍ وّبٌالًوّالٌدّيًنٌ إحًسّانْا } وفي آخر الآية قوله تعالى { فّلا تّقٍل لَّهٍمّا أٍفَُ وّلا تّنًهّرًهٍمّا وّقٍل لَّهٍمّا قّوًلاْ كّرٌيمْا } فالآية تضمنت الأمر بالمعروف صريحا والنهي عن المنكر صريحاً في باب الإحسان إلى الوالدين، إذاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متلازمان لا غنى لأحدهما عن الآخر فمن قام بأحدهما تضمن القيام بالآخر والذي يأمر بالمعروف فقط هو في نفس الوقت ينهى عن المنكر وبالعكس.
إجماع على الوجوب:
وفي طرف آخر من أطراف الحديث، تناول فضيلة رئيس مركز هيئة أبي بكر الصديق الشيخ علي بن راشد السعدون زمام الحديث ليبين هذه الشعيرة وحكمها، فقال أجمعت الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يخالف في ذلك أحد وقال أبو بكر الجصاص (أكد الله تعالى فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مواضع من كتابه وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم في اخبار متواترة واجمع السلف وفقهاء الأمصار على وجوبه).
وقد قال النووي رحمه الله تعالى (قد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو أيضاً من النصيحة التي هي من الدين) وقال الشوكاني في قوله تعالى: {وّلًتّكٍن مٌَنكٍمً أٍمَّةِ }الآية، في الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة وهو من أعظم واجبات الشريعة المطهرة وأصل عظيم من أصولها وركن مشيد من أركانها وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها قال تعالى: { )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه فتدعونه فلا يستجيب لكم».
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل النبي صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه أن حضره شيء فتوضأ وما كلّم أحداً، قالت: ثم خرج فلصقت بالحجرة أسمع ما يقول فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (يا أيها الناس إن الله عز وجل يقول لكم مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم وتسألوني فلا أعطيكم وتستنصروني فلا أنصركم) وفي حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنكم منصورون ومصيبون ومفتوح عليكم فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر).وأكد فضيلة رئيس مركز هيئة أبي بكر الصديق بضرورة مشاركة جميع المسلمين في إنكار المنكرات وكل على حسب علمه وطاقته وجهته {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)} مشيراً إلى أن حكمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه هو الأساس الأعظم للدين والمهم الذي بعث الله لأجله النبيين ولو أهمل لاضمحلت الديانة وفشت الضلالة وعم الفساد وهلك العباد، إن في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفاظ الدين وسياج الآداب والكماليات وانحسار الباطل واختفاءه وظهور الخير وشيوعه وحماية الأمة من العذاب والعقوبة العامة وظهور الفضيلة واختفاء الرذيلة.
الحصن الحصين:
ولأنه الأساس العظيم للدين والحصن الحصين للإسلام، فقد أورد فضيلة رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة النعيرية الشيخ تركي بن فهيد الشمري فضائل هذا التشريع العظيم، وكيف أنه بتطبيقه تحصل الفضائل وتنكبت الرذائل، فأشار فضيلته إلى ذلك بقوله: لنعلم علم اليقين أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الحصن الحصين للإسلام، والأساس الأعظم للدين والدرع الواقي من الشرور والفتن والسياج المانع من المعاصي والمحن، يحفظ الشريعة ويحمي أحكامها، فهو الوثاق المتين الذي تتماسك به عرى الدين، وتحفظ به حرمات المسلمين، به يعلو أهل الحق والإيمان، ويندحر أهل الباطل والفجور، فلا يقوم المجتمع إلا إذا شعر كل فرد من أفراده أنه جزء من كل، وأن فساد جزء من هذا الكل فساد للجميع، وأنه كما يحب هذا الفرد لنفسه أن يكون صالحاً فكذلك يجب عليه أن يحب لأخيه أن يكون صالحاً لحديث أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» فإذا شعر الإنسان بهذا الشعور النبيل، وعلم أن هذا ما يقتضيه الإيمان، ويرفضه عليه الدين بها المفسدة، ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر بالرفق واللين والإقناع ويصبر على ما يحدث له من الأذى القولي والفعلي، فإنه لابد من ذلك لكل من يدعو إلى الله، كما جرى لسيد المصلحين وخاتم النبيين، فلقد أوذي واستهزئ به فصبر وصابر، فكانت له العقبة الحميدة في الدنيا والآخرة.
ودعا فضيلته الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يعمل ويضع أمل النجاح نصب عينيه، فإن ذلك أكبر عون له على سيره في مهمته، ولا يجعل لليأس عليه سبيلاً فتفتر همته، وتضعف عزيمته، وعلى المؤمنين كلهم أن يتعاونوا في هذا الأمر العظيم، ويساعدوا من رأوه قائماً بيدا الأمر نصرة للحق وقضاء على الباطل، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب علينا جميعاً لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيره، بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، فإذا قمنا بتغيير المنكر حسب استطاعتنا فقد أبرأنا الذمة وأسقطنا الواجب وأقمنا الحجة وسعينا في إصلاح المجتمع وحققنا أسباب السلامة من الهلاك، قال تعالى: {وّمّا كّانّ رّبٍَكّ لٌيٍهًلٌكّ القٍرّى" بٌظٍلًمُ وّأّهًلٍهّا مٍصًلٌحٍونّ} وقال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) } وقال سبحانه: {)فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ)} ورأس الأمر بالمعروف الدعوة إلى الله، وإرشاد الناس إلى ما خلقوا له، وتبصيرهم بما دل عليه كتاب ربهم وسنة نبيهم، قال تعالى : {)وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)}.
(*) إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف
|