جلس خالد.. إلى جوار زوجته.. لم يكن قريبا منها تماماً.. ليس بجسمه فقط.. ولكنه قد ابتعد منذ فترة.. بفكره.. وحسه.. واساريره.. كان ينوي ان يتبادل معها نوعاً من الاحاديث.. القى إليها بعض التساؤلات التي دارت في محاور مختلفة.. كانت تستغرب بعضها.. وترفض بعضها الآخر.. ولكنها ككل.. تشعر ان جسداً جديداً.. يهم باستجوابها.. كانت الأسرة من الطبقة العالية ماديا.. وكان المستوى الاقتصادي رفيعاً.. حيث جعل من هذه الأسرة.. افراداً مكتفين.. تشغلهم.. احداث كثيرة.. بعضهم عن بعض.. فالأب يتمتع بدخل وظيفي كبير.. وهو من الأسر التي تملك عائداً مادياً يصل إلى حد الاكتفاء.. وقد نهج هذا الأب مع أسرته منهجاً يتيح الحرية والاستمتاع بهذه النعمة.. حيث يتسنى لكل فرد.. امتلاك حقه المادي الذي يعنيه إلى جلب ما يحتاج وتحقيق الوصول للسبل المؤدية إلى خلق ذلك الاستمتاع.. لذا فان الزوجة.. محاطة بوسائل الترفيه والراحة التي تصل إليها متى ما أرادت.. وتعيش في ظل هذه الظروف بالطريقة التي أؤكد فيها لنفسها انها قد اغرورقت بهجة وسعادة... وقف الزوج هاماً بالخروج.. واستنكرت الزوجة هذه الصيغة التي طرحت.. حيث استقبلت نوعاً من التساؤل الذي لا يكمن في شيء.. لدرجة انه لم يهتم بمعرفة الاجابات.. حمل حقيبته ومجموعة اغراضه.. واشار بيديه مودعاً.. فهذه الأعمال قد اخذت منه.. وصرفته حتى عن حال نفسه.
كان خالد.. يعمل.. ككل الرجال.. ولكن اسلوب عمله.. يحتم عليه التنقل والترحال بين فترة واخرى.. مما يضطره إلى ترك اسرته أياماً بل اسابيع.. ويأخذ من راحته الكثير.. ويتيح لقلقه ان يستمر،، ولان خالداً اعتاد هذا الترحال.. فقد كان بحاجة إلى الوقت المريح الذي يتخلل هذه التنقلات.. وكان يسعد ان يجد الساعات التي يجلب فيها الاسترخاء والركون.. وهو يتلهف من أجل الحصول على انعقاد الفرصة التي يتجمل فيها مع نفسه ويمنحها سكونا وتجديداً..
استمرت السنوات وهي تفتح المجال.. امام خالد.. كي يمر بمشوار عمله بأسلوب المتقن المتفاني.. الجاد.. ولكن الظروف لم تمهله.. واحتجزت سريان ذلك.. فقد كان المال.. وضعف الحال.. طريقاً لخوض مسالك اخرى.. اخذ يبحث عنها.. بين فترات عمله.. وساعات سكونه.. ولان كل الظروف.. مهيأة.. وطبيعة النفس مستقبله.. فلم يجد صعوبة.. ان يجعل من ممارساته الخاطئة.. ان تكون جزءاً من حياته.. واقطوعة من عمله.. لم يرحمه مركزه.. من التماس هذا الجحيم الغائب.. فأخذ يغترف مما لديه.. ليهوي به إلى عالم الخيبة.. والراحة الوقتية.. والروعة الزائفة.. استغل بغيمه.. فأبحر في متاهة مؤكدة.. وزيف مختوم.. وضلالة واقعة.. انجرفت قدماه.. ومشت به الى ذلك الطريق المخيف.. المفزع بكل خطواته.. لم يكن يتردد... فحوله من مهد له وحدد.. وضعفت جوانبه الروحية.. حين قدّم وعيه للغياب.. وسلّم فكره للذهاب.. استسلم لانه اراد ان يكون.. أوجس في داخله ميلأ للرضوخ. فكلما ظمئت نزوته.. رواها من جدول الغدر والاوهام..
خالد.. شخصية.. من رآها وتعرف عليها.. كبرت في نفسه.. وشمخت في تصوره.. اسلوبها.. ووعيها.. هو نموذج.. ينجذب إليه الفكر وتحتضنه.. التطلعات.. ويتداعى له كل.. تميز.. ونبوغ.. وتناديه.. اخيلة الروعة.. وسلوكيات الجمال.. حتى اختفى ما بداخله عن الرؤى المتحدقة في قياس نوازع البشر.. وتكاد جديته تبهر من اغفل قلبه عن الاستدراك.. مضى خالد.. يتوفق بهذه الشخصية الفذة.. ويقفز بها ممرات الكدح.. ويتحدى بصورتها وجه العتب.. وفي يوم ارادت الايام ان تكشف من هو خالد؟! وان تمسح أمامه غبار هذه المرآة التي ظل يحملها مصاحباً الوهم وزبد المال.. ما حدث له مشكلاً يبحث صورة الداخل.. ويبرهن علقم هذه السيرة.. فبينما هو في أحدى رحلاته.. مضى كالعادة إلى انجاز عمله.. وترتيب ما استجد فيه.. وانهى مجموعة من اللقاءات المتعلقة بالعمل.. وفي آخر هذا الاجتماع.. تلقى دعوته.. ليتشرف بحضور.. جلسة العشاء فكان من متطلبات عمله.. ان يستجيب.. ولكنه هذه المرة متحمس ومغلوب.. فهل كان الشيطان قرينه.. فأهزل هدفه.. وهز كوابحه.. فاعترفه جنوحاً.. غيب أمامه صحوة الضمير.. واشراقة ما يستقبل من ايام..
اكمال خالد.. ليلته.. حيث تناول عشاءه.. وتسامر مع أولئك الأصدقاء.. إلى اللحظة التي همس فيها احدهم في أذنه.. وقصد بها ان ينقله إلى خوض ما تبقى من هذه الدعوة.. دخل خالد إلى تلك الحجرة.. وقد زُينّت له بأروع ما تنبهر العين لرؤيته.. واستشنق حوله اعابير ورياحين الفتنة.. واسترسلت كوامنه غائصة في جنج هذا النور الواهي.. وبينما هو يستلطف هذا المكان يسمع طرق الباب.. بالصيغة التي هزت.. كيانه.. وغرائزه الشيطانية.. ثم دلفت.. تلك الفتاة.. كمورية.. ملكة.. هيفاء.. صاغت إلى شكلها الوان الجمال، وفنون الهيام.. وتقدمت إليه.. وسمحت لهياكل الجن ان تهتز.. وربوع الشر ان تنتشر.. ولنغمات الفتنة ان تبوح.. وبعد ان نال منها.. لم تجعله يبلغ هيمانه ويطول فرحه العابر.. بل تجرأت أن تفضح ترجله.. وتقصم ثوابته.. وتنزع امامه.. لباس الخداع والتواري.. وتنقله إلى حقيقة روحه ونهاية تماديه.. فما الذي أفصحت عنه هذه الفتاة؟!!
لقد اعلنت له انها مرسلة من زوجته.. حين عرض لها المبلغ الذي تطلبه مقابل.. ان تضع هذا الزوج في كمين يرسم الاعتراف ويتحدى الروغ.. ويجبره ان يكون صورة حقيقية لهذا الجرم.. دون حديث.. أو دليل.. لقد كانت الزوجة تائهة.. لا تعرف الطريق للوصول اليك.. لاعترافك.. لخلق مبادئك.. لتجديد اخلاقك وعودة فطرتك المحددة.. نعم عجزت الا بهذه الطريقة حيث كانت الفتاة.. الوسيط.. الذي نقل تلك الصورة الغائبة الغامضة.. والتي انكشفت.. حين استطعت..
انزوى خالد.. يحكي لنفسه هذه الأحداث.. وقد عاش فصولها.. وتعاقب على مخيلته.. استفهامات.. كُثر.. كان أكثر ما يؤرقه هي تلك المرأة التي فضحت موقفه.. وهو الذي قد تناوبت عليه منهن الكثيرات.. وكانت الأخيرة هي التي ارخت قواه.. وعصفت بكبريائه فالى ماذا انتهى شخصه.. وكيف يواجه بيئته.. وذويه.. حينما تكون امرأة مقصودة.. وعلى يدها مثلث تقدمه.. بل أردت بهيبته واسفلت مكانته.. أخذ ينادي صوته.. ويسمع كلامه.. ويهتف هل ستكون النهاية.. هل قدرتي المادية.. ستمحو عجزي وضياعي.. هل سيبقى خالد.. رجل الاعمال.. الفذ.. صاحب الخطوة.. ومالك الرأي.. ام سيكون للمجتمع مقترح آخر..
(*) الرياض
|