Thursday 21st august,2003 11284العدد الخميس 23 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شدو شدو
اسكت بس..!
د. فارس محمد الغزي

من ضمن ما وصلني من رسائل بريدية عبر الجريدة رسالة من قبل الأخ (محمد ع.) مضمنا فيها تشديده وتأكيده على ضرورة أن يكون الكاتب/ الكاتبة قادراً على اسداء النصح الرشيد ومؤهلاً لأن يقدم حلولاً ناجعة لما يواجهه القراء من مشكلات على اختلاف أنواعها، وفي المجمل اتفق مع الاخ محمد فيما يتعلق بأهمية ان يكون في الصحيفة من الكتَّاب ممن لديه القدرة «المنهجية» على تقديم هذه الخدمة، غير أنني أختلف معه فيما يخص تشديده على شرط الضرورة في أن يكون كافة الكتَّاب والكاتبات على درجة من التأهل والاستعداد لتقديم النصح والحلول لكافة المشكلات النفسية والاجتماعية. وعلى الرغم من حقيقة تأهيل شخصي المتواضع بحكم التخصص العلمي لمثل هذه الحالات فلعل الأخ محمد قد لاحظ انه من النادر أن تلجأ شدو إلى تقمص دور «الطبيبة النفسية»، وما ذلك إلا لقناعتي الذاتية في أن الحلول «عن بعد» لا تسمن ولا تغني من جوع للحلول المباشرة والممنهجة والمصاغة انبثاقاً عن وعي لصيق بكافة حيثيات وأسباب وتاريخية ظروف المشكلة تحت البحث، هذا أولاً، أما ثانياً فثمة سبب آخر لتمنُّع شدو وتلكؤها عن الدخول في متاهات النصيحة النفسية صحفياً، واستعراض هذا السبب بالذات يتطلب في الحقيقة جرأة في الاعتراف لأقول: إن «فاقد الشيء لا يعطيه» يا أخ محمد، فكثير منا «نحن الكتَّاب والكاتبات» لدينا من المشكلات التي تنوء بها كواهلنا إلى الدرجة التي تمنحنا أوتوماتيكيا لقب «الأطباء المعلولين».. اشتقاقاً من عجز البيت الشعري القائل نصه: «.. طبيب يداوي الناس وهو عليل»، وهناك سر «معروف!» علمياً وإياك هنا أن تسألني عن أمر كونه سراً ومعروفاً في آن..، المهم أنه من المعروف علمياً ان هناك فئة من البشر تمتطي الهروب عن مواجهة مشكلاتها الشخصية باحتراف تقديم الحلول لمشكلات الغير، بمعنى آخر يصبح الاستغراق في متاهات البحث عن الحلول الناجعة للغير عزاء نفسياً للفشل الذاتي عن حلول المشكلات الذاتية إلى الدرجة التي تنتهك بسببها حدود «لا تنهى عن خلق وتأتي مثله».. إلى آخر البيت، فكم في هذا المنحى من طبيب يدخن بشراهة ولا يتردد في الوقت نفسه عن تقديم النصح بشراهة مماثلة لمريضه للامتناع عن التدخين؟!، وكم من معدد زوجات «متورط!» لا يفتأ يصرُّ على أن الحل النهائي للمشكلات الزوجية التي يواجهها صديقه فلان على سبيل المثال يتمثل في الزواج من أخرى، وكم من عالم نفسٍ يبيع بالجملة والمفرَّق جرعات الحلول الناجعة لمشكلة ضرب الزوجات في وقت هو فيه مدمن على «دبْغ» زوجته في الصباح والمساء..!، وكم من عالم اجتماع ديدنه إلقاء المواعظ في كيفية تربية الأولاد في الوقت الذي تنطبق سمة التشرد على أولاده نتيجة لسوء تربيته لهم؟!، وهنا أجد أنه لزاماً عليَّ القول بأنني أعرف ان مشكلات البشر ليست إلا مشكلات متداولة.. موروثة.. مدورة «من تدوير النفايات!».. وأحياناً هي هي غير أنها مستنسخة بهيئات أو أشكال مختلفة، ومع ذلك وبكل صراحة وشجاعة أيضاً أقول إنني لست مؤهلاً «نفسياً» لتحويل شدو إلى مصحة نفسية.. فأخوك.. «أنا!».. لديه من المشكلات ما يجعله يضحك في مواقف البكاء ويبكي في مواقف الضحك، وإن كنت قادراً فيما لو أردت على «التمثيل» وتقديم الحلول السحرية بشكل يجعل من لا يعرفني يعتقد بأنني «الخلي..» وأنا الشجي..،
أخيراً دعني أخبرك عن سر اختياري «للعنوان» الغريب المذكور أعلاه، فقد كان لدي أثناء الدراسة في الخارج زميل أمريكي تخصصه العلمي الدقيق المشكلات الزوجية، ورغم ذلك فقد كان الرجل «مطلقاً» خمس مرات أو أكثر، والطريف في هذا الموضوع انني كلما مازحته بترجمة البيت المذكور آنفاً «طبيب يداوي الناس.. الخ.» بادر بالرد علي مازحاً بالقول «اسكت بس..!» أو «Just shut up...».. معه حق.. إنها الحياة!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved