Thursday 21st august,2003 11284العدد الخميس 23 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

القرصان والامبراطور القرصان والامبراطور
جانبي فروقة

مازالت الأمم المتحدة مغلولة يدها إلى عنقها بحق الفيتو لأعضائها الدائمين في مجلس أمنها ولما تتحرر من قيده لترى الشعوب العدالة، كان وينستون تشرشل قد حدد الهدف من إنشاء الأمم المتحدة في أربعينيات القرن المنصرم إبان الحرب العالمية الثانية بقوله «أُنشئت الأمم المتحدة من أجل التأكد من أن قوة الحق سوف تقوم، في نهاية المطاف، بحماية حق القوة». وبهذه المقولة استشهد الرئيس بوش في خطابه في فبراير الماضي حين كان يعد العدة للحملة العسكرية على العراق وهو يناشد الأمم المتحدة أن ترتقي إلى مستوى تحمل مسؤولياتها أمام خطر النظام العراقي ودعمه للإرهاب وأسلحة دماره الشاملة التي لم تظهر بعد للعيان. وطبعاً كان قد ربط صقور الإدارة الأمريكية أمن الشعب الأمريكي بتحرر الشعب العراقي ليكسب الصقور حجة الحرب ويخسر العراق الأمل في الحل الدبلوماسي وتجنيبه المآسي وليقع فريسة بين حلين أحلهما مرُّ، فإن بقي تحت نظام صدام الصدامي ومغامراته فهو يخسر أبناءه وثرواته تباعا وإن وقع تحت نير الحرب خلق فراغ السلطة والوضع المتأزم حالة من الفوضى وردة الفعل العنيفة التي قد تؤدي أيضاً بحياة الكثير من الأبرياء. وقد أورد بوش هذه الفكرة في خضم كلامه قائلاً «لقد أظهر النظام العراقي الحالي قدرة الحكم الاستبدادي في نشر الشقاق والعنف في الشرق الأوسط. وبإمكان عراق مُحرّر أن يظهر قوة الحرية في تحويل تلك المنطقة الحيوية، بحيث يوفر الأمل والتقدم لحياة الملايين. إن مصالح أمريكا الأمنية وإيمان أمريكا بالحرية تقودانا في نفس الاتجاه: نحو عراق حر ومسالم » طبعا كان بوش قد لخص رؤيته للسلام من برجه العاجي والمسافة بين إدارته بصقورها وبين ملابسات قضايا النزاع في منطقة الشرق الأوسط على مر العقود بقدر المسافة الجغرافية بين منطقة الشرق الأوسط والبيت الأبيض في واشنطن، حيث قال :«إن للعالم كله مصلحة واضحة في انتشار القيم الديمقراطية، لأن البلدان المستقرة والحرة لا تُنتج أيديولوجيات القتل. إنها تشجع السعي السلمي إلى حياة أفضل» وشدد على أن «قيام نظام جديد في العراق سيخدم كمثال هام جداً للحرية يُلهم البلدان الأخرى في المنطقة». وكما أشار إلى التأثير الإيجابي الذي تتصوره حكومته لهذا التطور في عملية السلام في الشرق الأوسط وقال: «سيشكل النجاح في العراق بداية مرحلة جديدة للسلام في الشرق الأوسط، ويحرّك التقدم نحو دولة فلسطينية ديمقراطية حقاً». وشدد على أن« زوال نظام صدام حسين سوف يحرم شبكات الإرهاب من راع ثري يدفع الأموال لتدريب الإرهابيين، ويقدم المكافآت لعائلات حاملي القنابل الانتحاريين وستتلقى الأنظمة الأخرى تحذيراً واضحاً بأن دعم الإرهاب لن يكون مقبولاً». وكان هذا بمثابة الرابط الثاني الذي استغله صقور الحرب في إدارة الرئيس بوش بين نظام صدام ودوره في تعثر حل القضية الفلسطينية ذاتها، وقد كان صدام حسين يخدم هذه الرؤية بكونه لا يتوانى عن الزج بثقل واقعه السياسي وإرهاصات مغامراته السلبية «الحرب مع الدول المجاورة إيران والكويت» على القضية الفلسطينية وتحرير القدس في كل مناسبة ليُلهب بها شعور العرب اليائسين فينقاد وراء كلامه كل دماغ ساذج عقيم.
إن الذات الإلهية المتنامية للأيديولوجية الليبرالية الأمريكية دفعت الرئيس بوش إلى القول «لقد تعلمنا درساً «وهو يقصد هنا أحداث الحادي عشر من سبتمبر»: وعلينا مواجهة أخطار عصرنا بنشاط وقوة قبل أن نراها تحدث مرة أخرى في سمائنا ومدننا. ووضعنا هدفاً: سوف لن نسمح بانتصار الكراهية والعنف في شؤون البشر». والأمل الأمريكي في المنطقة ظاهره نبيل يكمن في تصريح المسؤولين الأمريكان بأنهم و إبان الحرب العالمية الثانية لم يدخلوا معركة لقهر الأعداء ويخلفوا وراءهم جيوشاً محتلة، بل تركوا دساتير وبرلمانات. فقد أوجدوا جواً من الأمان يستطيع من خلاله القادة المحليون والمسؤولون والإصلاحيون، بناء مؤسسات دائمة للحرية.و طبعاً من الباطن تقوم المؤسسات المالية والشركات العملاقة بتحريك دفة اللعبة الاقتصادية بزيها السياسي والعسكري، وبالتغاضي عن ازدواجية المعايير في رصد القضايا سواء التسلح النووي منها، فلا يتم ذكر اسرائيل وترسانتها النووية ورفضها التوقيع على معاهدة منع انتشارالأسلحة النووية وتتم ملاحقة إيران ورصد كل تحركاتها بتجاه سعيها لبناء مفاعلات طاقة نووية مخصصة للاستخدام السلمي والمدني ويتم تزكية الحل السلمي للقضية الكورية الشمالية «على خلاف قضية العراق» رغم تبجح قادتها بتطوير الأسلحة النووية، وكما يتم التغاضي عن الحق في لعبة الميديا ليظهر الجلاد ضحية والضحية إرهابيا ولا يتم الضغط على اسرائيل لمنعها من تشييد الجدار الأمني وهي تبنيه عقبة في وجه خارطة الطريق لحل القضية الفلسطينية وفي نفس الوقت لا أحد يثنيها عن هدم المنازل للفلسطينيين الأبرياء واعتقال آلاف وتبرير سياسة الاغتيالات.
إن التزام الولايات المتحدة الأمريكية بخارطة الطريق ونشر ثقافة الديمقراطية في المنطقة يتطلب منها الحيادية والتمحيص في حقائق القضايا وقبل تطبيق خارطة طريق السلام وهدفها قيام دولتين: اسرائيل وفلسطين، تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمان لا بد من كسر أنماط النزاعات القديمة في الشرق الأوسط ويجب أن يتخلى جميع أصحاب العلاقة عن المرارة والكراهية والعنف، وكان قد نوه الرئيس بوش لذلك ولكن ما يجب أن يصر عليه هو أن يكون شارون ضمن المعنيين بهذا القول.
صادف الثامن من أغسطس 2003 مرورمئة يوم على انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية في العراق. وقد عُرض تقرير «النتائج في العراق: مئة يوم نحو الأمن والحرية» وتناول التقرير أهم النجاحات التي تشاطرها العراقيون وشركاؤهم في عملية تجديد بلدهم في فترة ما بعد صدام. وقد علق الرئيس بوش على ذلك قائلا: إن العراق يقترب أكثر من كل يوم من أن يصبح مجتمعاً حراً ويعقب في حديثه الإذاعي « إن مائة يوم ليست كافية لإصلاح ما أفسده صدام» وقد كان قد علق من قبل نائب وزيرالخارجية الأمريكي ريتشارد آرميتاج بقوله إن تطوير مؤسسات ديمقراطية، أحزاب سياسية، وجمعيات للحرفيين ونقابات عمالية، سيكون «بلسما يشفي من العنف القاتل » ويساهم في «الحيوية السياسية والاقتصادية».
واجه العالم انقلابا جذريا في موازين القوى عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وسيادة أمريكا للعالم بوصفها القطب الأوحد وإن رياح نشوء الامبراطورية الأمريكية بدأت تهب على منطقة الشرق الأوسط ولا بد على الدول من مواجهة تحديات العصر الأمريكي الجديد وقد علق فرنسيس فوكوياما «مفكر أمريكي وأستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة والتي تعد من أحد المؤسسات الملهمة لفكر صقور الإدارة الأمريكية» على الغزو الامبريالي الأمريكي للعراق محاولا أن يضفي الحتمية القدرية على الشكل الامبراطوري لأمريكا، ومع أن فوكوياما لم ينزه القوة العظمى عن صفة الدولة الامبريالية ويأخذ عليها ما دعاه الافتقار إلى الإرادة إلا أنه يؤمن بهذه الامبراطورية التي ستكون أكثر عدلا ورحمة من الامبراطوريات الغابرة عبر التاريخ وذلك لمبدأ أقنع نفسه به وهو أن هذه الامبراطورية الناشئة تستند إلى مبادئ الديمقراطية ولا تريد حكم الشعوب الأجنبية ضد إرادتها بكل ما تسعى إليه هو تمكين الشعوب من حكم نفسها بنفسها، ولكن فوكوياما يأخذ على الأمريكان فشل خططهم في العراق و أفغانستان وذلك لأن الجنود الأمريكان حسب زعمه قادرون على شن الحروب والقتال فحسب ولكنهم غير قادرين بعد على ترجمة الانتصار في الحرب وعكسها على معركة إعادة البناء وإقامة السلام، ففوكوياما يؤيد الهدف النبيل الكامن وراء تحول أمريكا لامبراطورية عالمية ولكنه يعترض على الوسائل والأساليب التقليدية، لذلك لا بد من ابتكار أساليب جديدة تجعل الشعوب التي يشملها الاحتلال الأمريكي حليفا طبيعيا، إن فوكوياما يفهم النزعة الامبريالية الامبراطورية للقوة العظمى في العالم «الولايات المتحدة الأمريكية» على أنها نزعة ديمقراطية خيرة تريد تشكيل العالم برؤية أفلاطونية للمدينة الفاضلة «يوتوبيا» ولم يتعرض فوكوياما للعوامل والأسباب التي تشكل القوة المحركة والسياسية «القضاء على الإرهاب الكوني». وتبقى الأيديولوجية الليبرالية الأمريكية الجديدة مثار جدل بين رؤى متضاربة ففريق يراها حلة جديدة للاستعمار وفريق آخر يراها نزعة ديمقراطية خيرة كما يراها فوكوياما وأما نعوم تشومسكي «ناقد أمريكي» فهو يحكيها بقصة طريفة حدثت في عهد الاسكندر المقدوني حين ألقى القبض على قرصان وبدأ يوبخه قائلا: كيف تنهب وتزعج البحر؟ وكان رد القرصان أنا أنهب بسفينة صغيرة فأسمى قرصانا و أنت تنهب شعوبا بأساطيل فتسمى امبراطوراً.

bumano@maktoob.co

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved