لا يدخل المال في هذا العصر بالذات بين اثنين ألا ويفرقهما، ولا ينجو من الاكتواء بنار شره إلا من رحم الله، فما أكثر المشاهد التي رأينا المال فيها يباعد بين الآباء والأبناء، ويشتت شمل إخوة جمعتهم بطن أم واحدة، ويتحول بسببه الأصدقاء إلى أعداء، فكيف لا يفرق بين زوجين سواء كان بينهما حب أو لم يكن لكن بينهما حتما رباط مقدس وعشرة.
ولا نقصد بالفرقة هنا الخصومة والقطيعة أو طلاق الزوجة، ولكن المقصود بالفرقة هنا ما هو أخطر من ذلك، ألا وهو تقلب القلوب وتغير النفوس، لأن المجاملات الاجتماعية تحول بين القطيعة النهائية بين أب وابنه أو أخ وأخيه وروابط الأسرة مثل الأطفال قد تحول دون الطلاق بين زوج وزوجه لكن يحدث طلاق المشاعر والنفوس والنوايا وقد تسبب راتب الزوجة في هذا العصر الذي لم يعد فيه راتب الزوج عند متوسط الحال من الناس يفي بمتطلبات الأسرة الشهرية ناهيك عن طموحاتها في السفر صيفا أو شراء المزيد من الكماليات.
لهذا نجد الكثير من شباب هذه الأيام يلتفت للبحث عن الزوجة العاملة أو الموظفة.. حتى ولو كانت أقل جمالا ويفضلها على الأكثر جمالا التي لا وظيفة لها، وليس هذا عيبا في ذاته إذا تحرى الشاب في ذلك ذات الدين، فالدين بالنسبة للمرأة هو السور الذي يحمي حديقة جمالها وشخصيتها من عبث العابثين وفضول المتطفلين. ليس عيباً ولا ينتقص من رجولة الشاب شيئاً أن يتزوج ذات الراتب، لكن العيب بل والحرام حقا عندما يكون الهدف فقط هو «الاستيلاء» على راتبها وحده دون استيفاء ما يتطلبه الرباط المقدس بين رجل وامرأة من حب وتآلف وانجاب.
إذا كان عنصر «الجمال» مقدماً عند الشاب على غيره، ثم ضعف أمام ذات المال التي تفتقر إلى هذا العنصر أو تتوسط فيه، فهو ضعيف النفس خبيث الطوية لأنه سيوظف حتماً مال زوجته التي تزوجها من أجله لارضاء رغباته الأخرى التي لم تتحقق، والبحث عن المواصفات التي لم يجدها في المرأة التي بين يديه، ومثل هذا النوع من الأزواج لا يلبث أن ينكشف أمره مهما انطلت عليها الحيل التي يتخذها للاستيلاء على راتبها، المهم أن تكتشف المرأة أمره قبل الوقوع في شباكه!.
وهذا النوع ولله الحمد وهو أسوأ أنواع الباحثين عن ذوات الراتب، قليل جداً لأنهم ضعاف النفس.. ضعاف الرجولة.. ضعاف الضمير.. فالغالبية من الشباب الذي يبحث عن الزوجة الصالحة ذات الراتب هم من المؤمنين بتكافؤ الفرص، وبحق المرأة في العلم.. وبالتالي حقها في العمل بما تعلمت، وفي ذلك خدمة للمجتمع في نفس الوقت الذي تؤدي فيه دورها في التنمية الاقتصادية للأسرة ورفع مستواها المعيشي.. لكن قد يتولد عن ذلك معضلات وخلافات بين الزوجين العاملين حول كيفية مشاركة المرأة بمالها، ومدى هذه المشاركة ونوعها وهي غير ملزمة شرعاً بذلك، وهو ما سنعرض في مقالات أخرى. راتب الزوجة .. رأي آخر يشكو فيه رجال أنانية زوجاتهم الموظفات فيزعمون أن عدم مساسهم برواتب زوجاتهم وإعطائهن كامل الحرية في التصرف بمالهن لم يجعلهن يقابلن ذلك منهم بالتصرف السوي الذي يجعل المرأة تُشعر زوجها بتقديرها لاحترامه حقوقها وحريتها، فتبادر بالمشاركة معه بشكل أو بآخر، في نفقات البيت والأسرة، بل يقابلن ذلك بخزن رواتبهن في حساباتهن الخاصة في البنوك أو بصرفها وتبذيرها على الزينة والملبس والكماليات والتافه من المشتريات برغم ما يرينه من حاجة الزوج المحترم المسكين لجزء من هذا المال لإنفاقه على ضروريات الأسرة.
هذا السلوك الأناني من الزوجة يضعها في ذروة سنام الجهل مهما بلغت من درجات العلم والتعليم، فهي بهذا السلوك تهدم ركناً قوياً يجب أن تقوم عليه حياة الأسرة ألا وهو التعاون والمشاركة بين الزوجين، والاخلال بعنصر المشاركة في الجانب الاقتصادي بين الزوجين يؤثر بلا شك على المشاركة الوجدانية والعاطفية التي تنتظرها الزوجة من زوجها، وتطفىء ذلك الوهج الذي يتقد في الحياة الزوجية عندما يشعر الزوجان ان كلاً منهما يشارك في كل صغيرة وكبيرة في حياته، فلا يعني كون المرأة غير ملزمة شرعاً بالإنفاق على البيت أن تصم أذنيها عند حاجة الزوج الذي سمح لها بالعمل، والأسرة التي اقتطعت من وقتها وأعطتها للوظيفة.. إنها ملزمة خلقاًً وذوقاً واحتراماً ومشاركة وحباًً، وإن كان بعض العلماء قد أعطى الزوج الذي يسمح لزوجته بالعمل حقا شرعيا في جزء من راتبها.
وبالمثل تشكو زوجات إسراف أزواجهن في الاعتماد على رواتبهن في قضاء كل حوائجهن، فالزوجة المتعاونة التي تكفي زوجها مؤونة متطلباتها الخاصة مثل ملبسها وزينتها ونثرياتها نقدياً منها بأنه يتحمل من أعباء الأسرة ما يستهلك أغلب راتبه أو كله، ولكن هذا لا يقابل من بعض الأزواج بالشكر والتقدير، بل يقابل بالطمع في المزيد؛ فنجد الزوج في هذه الحالة يبخل على زوجته بهدية في يوم عيد أو يوم سعيد أو مناسبة خاصة معتقداً أن وجود الطريق لشراء كل ما تحتاج إليه ما دام راتبها في يدها، وهذا تصرف خاطىء فمهما كثر مال الزوجة فإنها لا تستغني عن هدية يقدمها لها زوجها تقبلها منه بسعادة مهما قل ثمنها لأن في ذلك تعبيرا يؤكد لها أنها لاتزال مستحوذة على ذاكرة زوجها، وأنه قد توجه خصوصاً إلى سوق معين ليختار ويشتري لها شيئا يقدمه لها.
أيّ معنى ستمثله هذه اللفتة في نفس الزوجة وأية مشاعر جياشة ستثيرها في قلبها وأي حب سيتجدد في كيانها كله لزوجها.. أنها معانٍ نبيلة ومشاعر عميقة وحب عظيم سينعكس على حياة الزوجين، وعلى أسلوب التعامل بينهما وعلى الأسرة كلها يدفع بها بحنان لتجري حياتها رخاء على نهر السعادة والبهجة والحياة.
|