لاشيء يعد كبيراً الا بتكامل عوامل النمو عنده مما يعني ضرورة مروره على مراحل النمو المختلفة وكما يكون ذلك في الانسان يكون ايضا بالدول، فعهدك في اول النهار بطفل لم يبلغ مبلغ الرجال، واذا هو في اخر الليلة الثانية يتكلم بلغة الرجال ويحاول حشرجة صوته وانتقاء العبارات التي تبين عن وصوله لهذا المقام فتنظر اليه وتسمع حديثه واذا هيئته لم تزد الا انتفاخاً واذا بحديثه لم يتجاوز كلمات ثم عاد الى ما يتوافق عليه من عبارات الطفولة وتصرفاتها.
وكما هي حال هذا الطفل وامثاله تجد ان هناك دولة صغيرة عرفت قدر نفسها وتصرفت بحدود امكاناتها ثم فجأة يجد المتابع انها بدأت الكلام تغير على هذا وتتطاول على ذلك وتتكلم بلغة جديدة وليست لها بمجيدة، فتقف لتتأمل هل هذه الدولة اصبحت في مصاف الدول المسماة بالعظمى، ام ان شعبها قد كثر ومساحتها اتسعت فأصبحت في نظرها من الدول التي لاتقوى، وبعد التأمل تجد انها لم تتغير عليها الحال ومازالت كما هو عهدك بها قبل ان يصدر منها الكلام، ولكنها نفخت فانتفخت فاستسمنت ذا ورم، وتفاعلت مع الانتفاخ وظنها به انها اصبحت كبيرة وان عليها الا تراعي الادب ولا حق الجيرة، وان على الآخر الكبير ان يخاطبها وكأنه صغير وان ما تفعله تجاهه هو التصرف الامثل من الكبير المتوهم تجاه الكبير المصغر في نظرها، فما ادري ما موقف هذه الدولة اذا توقف النافخ وتركها لحالها تنافح، وتدعو بالويل والثبور على من غرها وألبسها غير لباسها، وتندب حظها كيف صدقت النافخ وخاصمت الصديق والجار والحليف، فهل تجرؤ على الانكسار والاعتراف للكبار الذين نازعتهم بأنها كانت على خطأ ظاهر وتأمل من القادر العفو والسماح مما كدر الخاطر؟، نتمنى ان وجد ذلك ان يكون كذلك.
( * ) عضو هيئة التدريس في كلية المعلمين بالرس وعضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية
|