كان لجمن يعد العدة منذ زمن طويل لهذه الرحلة وقد هيأ نفسه اثناء سفره لإنجازها فلقد قام بمسيرة اولية عبر الصحراء لكي يفوز بالتجربة ودرس بعناية نوعا من الادبيات المحدودة عن الجزيرة العربية وغربل بكل عناية المواد التي دونها المكتشفون القدامى من العرب عن تجربتهم وعن وصوله إلى صحراء المملكة قال:
انحدرنا من هيت الى الجوف في سنة 1912م فمن هذه النقطة شرقاً حتى آبار الحزول لم يعرف ان أي رحالة اوربي قد اجتازها ذلك لأن طبيعة الارض تتغير وتشاهد هنا اعداداً من الطيور والحيوانات من امثال الدراج والسمان والارانب البرية والحباري وقطعان كبيرة من الغزلان وهناك ايضا كميات نادرة ومتنوعة من الافاعي تعتبر سامة وبعد مسيرة اربعة ايام باتجاه الجنوب الشرقي وصلنا إلى آبار الحزول وقبل ان نبلغ هذه الآبار بحوالي اثني عشر ميلاً دخلنا المنطقة التي سماها العرب المصاحبون لي باسم«وادي الخر» والناس الوحيدون الذين يقطعون هذه الطريق اما من الأفراد الذين يمتطي كل واحد منهم بعيراً او من افراد عقيل، ومثل هؤلاء المسافرين يقطعون مسافة الثلاثمائة ميل في مدى خمسة او ستة ايام وقد يتوقفون خلال الصيف عند آبار عرعر في حين يحتمل انهم لا يرتوون اثناء الشتاء على الاطلاق الى ان يبلغوا نهر الفرات ولقد علمت الآن بأن الجوف الواحة الرئيسية في شمالي الجزيرة العربية قد سقطت في يد ابن شعلان شيخ الرولة احد فروع عنزة تلك القبيلة البدوية الكبيرة التي تجوب الاراضي الواقعة شمال غربي الجوف حتى حدود دمشق بل حتى نهر الفرات.
والرولة الآن مجاورة لفرع العمارات الفرع الكبير الآخر من عنزة والذين يقطعون الاراضي الممتدة إلى الشمال الشرقي والى نهر الفرات في ذلك الاتجاه واكثرية الآبار الصحراوية إلى هذا الجزء من شمالي الجزيرة العربية التي تجري زيارتها تكون ضيقة جداً عند السطح ويندر ان يزيد عرضها على ثلاثة اقدام في حين انها تتسع عند الاسفل وعلى امتداد فم البئر يوجد حوض يصب الماء فيه حين يبلغ السطح وهنا يشرع البعير يرتوي بنفسه في منظر شهير بعض الشيء ففي اول الأمر يبلل البعير شفاهه ومن ثم يرفع رأسه ويشرع يهزه وينظر حواليه وبعد تأنٍ يشرع في الشرب أكثر من ذي قبل ويكرر ذات العملية وبذلك يتم ابتلاع كل نقطة من ذلك السائل الثمين بتلذذ تام اما في ايام الشتاء فإن البعير قد يستمر سبعة ايام من دون ماء ومن غير ان يحس بفقدان الراحلة لذلك في حين انه نادرا ما يذوق الماء في ايام الربيع حين يظهر العشب الاخضر ويبقى حوالي شهرين دون ان يحتاج إلى الماء اما بالنسبة الى الطعام فإن ساعة واحدة او ما يقاربها في كل يوم من الرعي غير الكثيف جدا يكون كافياً للبعير للقيام برحلة قصيرة الامد واذ غادرنا النفود من الحزول فقد هبطنا في منخفض تقع فيها آبار لينة ولقد مررت بهذه الآبار الشهيرة في رحلتي التي قمت بها في سنة 1910م وفي ذلك الوقت ونظرا لسقوط امطار الشتاء كان ذلك الوادي مغطى كله بالاعشاب التي ترتفع الى مدى قدم وفي جواره تنتشر الآلاف من خيام البدو اما الان فلا نشاهد نصلا لواحدة من الاعشاب أو حتى شجيرة من شجيرات الصحراء ويبدو ان الماء في هذه الابار وفير وان كان مذاقه مالحاً بصفة خفيفة وما ان غادرنا آبار لينة حتى دخلنا على الفور صحراء الدهنا وقد اطلق هذا الاسم على قطاع رملي تخلف من صحراء النفود وفي هذا الجزء من صحراء الدهنا وصلنا مخيماً لأعراب من سنجارة وهم فرع من شمر وينهال التساؤل عادة عن سقوط المطر في البلد وعن وجود الفرق المغيرة من البدو ومدى قربها وغير ذلك من الامور الاعتيادية الاخرى التي تهم البدو.
يتبع
|