سيكون هذا المقال هو الأخير في زاوية يارا لهذا الموسم. ارجو من الله أن أكون وفقت في العام الماضي. أنا على ثقة أن هناك أناساً كثيرين «زعلانين مني» كما أن هناك من شعر ببعض الفائدة أو المتعة ولكني أشعر بالسرور لشيء واحد هو أنني كتبت طوال السنة كل مقال وكل كلمة بالاخلاص الذي أستطيع أن أصل إليه. وعندما أقول الإخلاص فأنا أعني الصدق أيضا. فالمسافة بين الصدق والإخلاص تكاد تكون معدومة فيما أعنيه في هذا البيان. طبعا هذه التزكية للنفس لا تعني أبدا أنني لم أتراخى أو أضعف أمام نزعات النفس. ولكن كنت دائماً يقظا وحساسا تجاه النفس الأمارة بالسوء.
من الرسائل التي تصلني أعرف أن كل مشكلة وكل خطأ لا يعود إلى خلاف حقيقي بيني وبين أي قارىء حتى الذين غضبوا مني وشتموني أشد أنواع الشتائم. عودتني نفسي أن أكون الطرف الوحيد الذي يتحمل المسؤولية فأنا الكاتب ومن واجبي أن أحسن التعبير. فالكاتب الحقيقي هو الذي يحسن التعبير. اعرف تمام المعرفة أنني أكتب في جريدة يومية شعبية يتفاوت قراؤها من الأستاذ الجامعي إلى الرجل البسيط مع احترام فارق الأعمار وفارق الجنس والفروقات الأخرى بين الناس. كل هذه الفروقات وكل هذا التناقض بين القراء لا يعفيني من المسؤولية لذا تعلمت أن أراجع دائماً أساليبي وإمكانياتي وقاموسي الكتابي وغيرها من أدوات الكتابة. فإذا توفر في هذا العالم كاتب واحد نجح في الوصول إلى كل الناس فيجب ان اكون أنا الثاني. فالإجازة بالنسبة لي ليست مجرد استراحة بل هي عمل متحرر مفتوح قوامه المتعة والراحة ومصاحبة العائلة والتأمل لإعادة بناء الخلايا التالفة في الوعي الذي أملكه.
سأعود مع النصف الثاني من شهر سبتمبر لأبدأ من جديد رحلة طويلة لا تنتهي. فقد كتب علي أن أكون كاتبا حتى آخر لحظة في حياتي لسبب بسيط فأنا أعيش من الكتابة وليس لي خيار التراجع بعد هذا العمر. كما أني لا أجد ما أقوله للناس عندما يسألوني عن مهنتي سوى أنني كاتب وأعيش من الكتابة. أرجو ألا يفهم القارىء أنني أعيش على الفاقة كما يردد كثير من الكتاب: إن الكتابة لا تؤكل عيش (أدركته حرفة الأدب) كناية عن فقر الأدباء والكتاب. فالكتابة ولله الحمد تؤمن لي عيشا كريما.
أتذكر كاتبا أصبح مليونيرا من طرارة الكتابة والدوران على بيوت الوجهاء بمؤلفاته ومقالاته المتزلفة قال مرة عندما سأله الصحفي عن مستواه المادي: إني رقيق الحال (أي فقير) شعرت بالغصة في حلقي وكدت أن أكفر بالكتابة لأني كنت أعرف أنه مليونير. حتى الآن لا اعرف لماذا تربط مهنة الكتابة بالفقر أو الرثاثة أو البوهيمية. على كل حال لا يهمني هذا الأمر وأرجو الا يهتم القارىء الكريم بهؤلاء الدجالين ولكن الشيء بالشيء يذكر.
سأعود إلى الكتابة مرة أخرى في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر القادم وأنا على ثقة بأني سأكون أفضل مني الآن. سأحاول أن أتجنب كل الأخطاء التي ارتكبتها هذا العام ولكن هذا يعني مع الأسف أنني سأرتكب أخطاء جديدة. سنة الحياة.
|