* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي البلهاسي:
احدثت الحرب الانجلو الأمريكية ضد العراق والاطاحة بنظام صدام حسين في التاسع من ابريل 2003 واقعاً جديداً القى بتداعياته المباشرة على مجمل الاوضاع في المنطقة العربية وتفاعلاتها وعلاقاتها البينية والخارجية وفي مقدمتها العلاقات العراقية الكويتية التي اتسمت طوال فترة طويلة ماضية بالتوتر نتيجة ممارسات النظام العراقي السابق غير المحسوبة وعلى رأسها احتلال الكويت والتي اضرت ليس فقط بالعلاقات بين البلدين بل بمجمل العلاقات العربية - العربية في ضوء ما احدثته من شرخ عميق في جدار التضامن والوفاق العربي.
ولكن هل يفتح التغيير الذي شهده العراق بعد الاطاحة بنظام صدام حسين المجال امام اعادة تطبيع العلاقات بين العراق والكويت ومن ثم تفعيل التضامن العربي؟ وما هو الدور المطلوب من كلا البلدين لدفع وتعزيز هذه العلاقات بما يخدم مصالحهما المشتركة ويزيل رواسب الشك وآثار المرحلة السابقة؟ هذه التساؤلات كانت محو الندوة التي نظمها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة حول مستقبل العلاقات العراقية - الكويتية التي استضافت كلاً من صلاح النصراوي الكاتب والمحلل العراقي وعبداللطيف العوضي الوزير المفوض لدولة الكويت لدى جامعة الدول العربية والدكتور محمد السيد سليم مدير مركز الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة.
مرارة الشعبين
أكد صلاح النصراوي الكاتب والمحلل العراقي ان المرارة التي حلت بالشعبين العراقي والكويتي طوال فترة النزاع بينهما مازالت في ذاكرتهم ومن الصعب نسيانها وقال نحن نتكلم الآن بعد مرور 4 شهور من سقوط نظام صدام حسين و13 عاماً من الاحتلال العراقي للكويت والقضية مازالت حاضرة لدى الشعبين وما زالت هناك تبعات لها ولا يمكن القول انها كانت صفحة قديمة وانتهت بزوال نظام صدام حسين.
وحول تصوراته لمستقبل العلاقة بين البلدين اوضح النصراوي ان هناك ثلاثة سيناريوهات يمكن ان تصبح عليها العلاقة بين العراق والكويت وكلها مرتبطة أساساً بمستقبل العراق وقال ان السيناريو الأول ان يبقى العراق كدولة متماسكة قوية وهذا سيشكل هاجساً جديداً للكويت ويبقى شكل العلاقة هنا مرهونا بالضمانات السياسية والقانونية التي يقدمها العراق للكويت واعتقد ان وجود نظام ديمقراطي في العراق سيكون أفضل ضمان للكويت حيث سيكون هناك تشابه بين النظامين السياسيين وهو ما سيساعد على تقارب الدولتين والشعبين.
اما في حال عودة نظام شمولي أو غير ديمقراطي ستبقى المخاوف والمخاطر قائمة لدى الكويت والسيناريو الثاني هو احتمال انهيار العراق كدولة وتمزيقها لدول صغيرة وهذا يفتح الباب امام احتمالات خطيرة وليست مفيدة بالضرورة للكويت حيث ستكون هناك دولة شيعية في الجنوب متاخمة للكويت وهذا له مخاطر لانها ستكون دولة قوية قوامها 15 مليون نسمة وتملك حوالي نصف اراضي العراق 250 ألف كم متر مربع وهو ما يماثل حوالي 4 مرات حجم الكويت وستكون دولة غنية بالبترول تمتلك أكثر حقول النفط في المناطق الوسطى والجنوبية في العراق كما ان وجود اقلية شيعية في الكويت سيكون له انعكاساته على العلاقة مع الدولة الشيعية في العراق وايران وسيكون التأثير سلبياً على الكويت لاعتبارات جيوسياسية واعتبارات داخلية كويتية.
اما السيناريو الثالث وهو بقاء العراق كدولة ضمن الحدود الحالية مع وجود نظام فيدرالي وهذا هو المطروح حاليا من خلال صيغة مجلس الحكم العراقي وهذا سيؤدي إلى اضعاف الدولة المركزية للعراق وتشتيت قواها وهو افضل نظام مفيد للكويت حيث سيقلل من التهديدات والمخاوف المحتملة من عودة النزاع.
مبادرات كويتية
من جانبه اوضح عبداللطيف العوضي الوزير المفوض لدولة الكويت لدى الجامعة العربية ان سياسة الكويت تركز على تهيئة الأجواء لعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين والشعبين الشقيقين وقال ان الكويت كانت سباقة إلى تقديم العديد من المبادرات لتحسين العلاقات مع العراق بالتعاون مجلس الحكم العراقي ففي المجال الاقتصادي فكر الجانبان بالتعاون في مجال النفط واستدعاء بعض شركات النفط لدراسة الواقع وتقسيم خيرات النفط بين الجانبين وفي المجال الاعلامي بادرت الكويت بوقف الحملات ضد العراق وساهمت في اعادة اعمار بعض المؤسسات الاعلامية في العراق وفي المجال الرياضي بادرنا بفتح صفحة جديدة بمباراة كرة القدم بين المنتخبين العراقي والكويتي في البطولة العربية الأخيرة بالقاهرة ودعوة الوفود الرياضية العراقية لدراسة احتياجاتهم لاعادة بناء المؤسسات الرياضية في العراق وفي مجال الطيران المدني زودنا العراق بطائرتين مدنيتين كما اعلنا استعدادنا لاعادة جدولة الديون والمساهمة في الا تكون التعويضات المطلوبة صعبة وفي المجال الانساني بادرنا بتبني بعض الحالات المصابة من جراء الحرب لارسالها للخارج للعلاج على نفقة الكويت.
وأشاد العوضي بالاعتذار الذي قدمه مجلس الحكم العراقي للشعب الكويتي على ما بدر من نظامهم السابق تجاه الكويت قائلا ان مجلس الكم لم يتكبر على قول الحقيقة واعلن حسن نواياه في اقامة علاقات طيبة مع الكويت وقال العوضي ان المطلوب من أي حكومة عراقية مرتقبة لتحسين العلاقات مع الكويت هو العمل على تغيير صيغة الخطاب الاعلامي الذي درج عليه النظام السابق والمعادي للكويت وكذلك العمل على تأكيد روح التضامن بين الشعبين من خلال خطاب اعلامي جديد وايضا تغيير المناهج التعليمية التي زورتها حكومة صدام لتغذية عقول الشباب بأن الكويت جزء من العراق وفي المجال الحدودي وهو اخطر الملفات لابد ان تتجه الحكومة العراقية الجديدة إلى ترسيم الحدود مع الكويت وتحديد العلاقات ولدينا جهات دولية نلجأ اليها لتحقيق ذلك وإذا لم يتم ترسيم الحدود فستظل مشكلة قابلة للانفجار في أي وقت مع أي نظام جديد.
مستقبل العلاقات
وفي تعقيبه على الندوة اكد الدكتور محمد السيد سليم مدير مركز الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة ان القول بأن ازمة العلاقات بين العراق والكويت سيتم حلها في فترة قصيرة هو وهم لانها نوع من الازمات الطويلة والممتدة وقال ان تداعيات الاحداث اكدت انه لا جديد في العلاقات بين البلدين حتى الآن واذا لم يتم البحث في حلول لها فهي مرشحة لمزيدمن التوتر في المستقبل.
وقال سليم انه في مشكلة الحدود مثلا لا توجد هناك ضمانات لعدم اثارتها من قبل أي نظام عراقي قادم تحت أي ظروف وكذلك المشكلة قائمة بالنسبة لحقل نفط الرميلة الجنوبي ومن المتوقع ان يدخل البلدان حلبة الصراع في تصدير النفط وسيكون هذا مجالاً لعودة التوتر كما ان قضية التعويضات الكويتية المطلوبة من العراق تشكل هاجسا لتوتر العلاقات والمفروض ان تراعي الكويت التوازن بين حقها في هذه التعويضات وزغبتها في اقامة علاقات طيبة مع العراق وليس هناك نية كويتية واضحة لاسقاط هذه التعويضات على اساس انها شأن عراقي يحله العراق مع مجلس الأمن اما الديون المستحقة للكويت لدى العراق فهي ورقة مساومة في يد الحكومة الكويتية مع النظام العراقي الجديد لتحسين العلاقات.
واشار إلى ان مستقبل العلاقات بين الكويت والعراق يتوقف على ثلاثة عوامل اولها نجاح امريكا في استتباب الامور في العراق والعامل الثاني هو نجاح بوش في انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة فإذا لم ينجح بوش وفاز الديمقراطيون فلا أحد يعلم ما هي حسابات الادارة القادمة في هذا الملف العراقي الكويتي المرتبط أساساً بالصقور في الادارة الحالية وثالث هذه العوامل هو المشروع الاسرائيلي الصهيوني الذي يهدف إلى دفع المنطقة العربية إلى مزيد من التوتر من خلال محاولة شن حرب اقليمية تدخل المنطقة في خلل مثل دخول اسرائيل في حرب مع ايران أو سوريا وهو ما يحاول شارون تنفيذه مستغلا انشغال الادارة الأمريكية في الانتخابات وهو ما سينعكس بالسلب على العراق والكويت والمنطقة كلها.
واكد د. سليم ان الكويت عليها مسؤولية في تحسين العلاقات بين البلدين فلديها حكومة ودولة مستقرة وكيان سياسي متماسك وتستطيع اتخاذ المبادرات لغلق هذا الملف في اطار مشروع عربي تدعو اليه الكويت لبداية نظام حقيقي لتحسين العلاقات من خلال انهاء الوجود الأمريكي في العراق كبداية والا سيظل ملف العلاقات بين البلدين مرتبطا بحسابات الادارة الأمريكية.
|