Tuesday 19th august,2003 11283العدد الثلاثاء 21 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نوافذ نوافذ
أميمة الخميس

إحدى النوادر التي يتداولها الناس في لبنان، على اعتبار أنها عاصمة صناعة الجمال العربية، بأن النساء هناك أصبحن يشبهن بعضهن البعض، جميعهن نسخ مكررة من نموذج بعيد، ذلك التشابه إلى الدرجة التي أصبح فيها بعض الرجال لا يستطيع تحديد زوجته فحين أراد العودة إلى منزله خاطب مجموع النسوة قائلاً (اللي زوجتي تتبعني).
وأعتقد أن هذا ينسحب على العالم العربي، بل العالم برمته ليصبح نموذج الجمال هو وجه أوحد وفق مقاييس محددة وتعود إلى عرق بشري واحد دون شعوب الأرض، وليحاول الجميع تقليده، ولكنه يبدأ بلبنان لكونها الأسرع والأمهر في تلقف كل ما هو غربي لتقليده بشكل مستبسل ومتقن.
قبل فترة لفت نظري إعلان في صحيفة محلية، عن وصول طبيب تجميل له قدرات خارقة ومتعددة، ولكن الشيء الملفت للنظر هو أن إحدى كرامات هذا الطبيب الخارق هي إصلاح الأنف ولاسيما الأنف الافريقي والأنف الآسيوي !!!!!!!!!
والعرض بحد ذاته مرعب فهو يقدم الأنف الآسيوي والافريقي على اعتبارهما غلطة جمالية، بحاجة إلى التصحيح، وبالتالي هذا ينسحب على شعوب بأكملها فوجودها ككيان هو غلطة ارتكبتها الطبيعة أو لربما التاريخ، وبالتالي هي بحاجة إلى إصلاح لتلحق بنموذج مثالي كامل هو النموذج الغربي.
ولا أعتقد بأن هناك محقاً وطمساً للهوية أكثر من هذا، فالأمر لم يعد يقتصر على الهوية الفكرية والثقافية فقط بل تجاوزها إلى التصفية الجسدية لملامح وأعراق بشرية كاملة، عبر مطاردتها بنموذج الجمال الكامل، أو من يحاول الغرب أن يجعله كاملاً كشكل من أنواع الهيمنة والسيطرة على العالم.
استمعت قبل فترة إلى مقابلة مع جراح تجميل عربي ذكر فيها، بأن جراحي التجميل في العالم العربي يقومون بإصلاح أنوف النساء وفق معايير أوروبية كأنف (مارلين مونرو) أو أنف (كاترين دونوف)، وتلك الأنوف المجدوعة عندما تلصق فوق وجوه نساء البحر المتوسط تبدو غريبة وغير منسجمة مع تقاطيع الوجه ومقاييس العظام، وعلاقة تفاصيل الوجه بعضها ببعض.
فهل هناك تغييب للهوية أكثر من هذا؟ على اعتبار أن ملامح شعوب توارثتها عبر ألوف السنين، تتحول إلى غلطة، تلك الغلطة التي يجب أن تصحح عبر مشارط جراحي التجميل وصناعة كبيرة تختفي خلفهم.
ولعل نموذج المغني الأمريكي الأسود (مايكل جاكسون) هو أكثر النماذج بؤسا حول هذا الموضوع بحيث تشير إلى عالم صمم لعرق واحد فقط، هو العرق المهيمن والمسيطر، أما الباقون فليسوا سوى غلطة تاريخية بحاجة إلى إصلاح، سواء عبر جراح التجميل أو عبر الجيوش الجرارة التي تقيل رئيساً وتستبدله بآخر، أو عبر ابتزاز سياسي.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved