في كل مجتمع ولكل دولة من الدول أنظمتها الخاصة التي تحرص على صيانتها والمحافظة عليها من عبث العابثين، كإجراء ضروري لتوفير الانضباط المجتمعي الذي يحقق الاستقرار الشامل للمجتمع. وفي كل الأحوال فإن النظام - أي نظام - يكتسب احترامه من خلال قابليته للتطبيق على أرض الواقع ومن خلال منع الاستثناءات والتجاوزات العلنية والخفية المباشرة وغير المباشرة لمواده وفقراته التي قد تنسف النظام وتحطم حاجز الحياء الإداري لدى الفئات التي تقع تحت مظلة النظام.
وإذا علمنا بأن البراجماتيين لا يجدون سعادتهم إلا في تحقيق مصالحهم الخاصة بغض النظر عن المصلحة العامة وبغض النظر عن الحواجز النظامية التي يقتضي تحقيق المصلحة الخاصة تحطيمها، فإن البناء النظامي والتنظيمي لأي مجتمع من المجتمعات لا يتحقق إلا من خلال توفر الآليات الملائمة التي تكشف هؤلاء النفعيين وألاعبيهم المختلفة والمتلونة.
أقول هذا القول بعد أن بدأنا وللأسف نبحث عن المعين على كسر النظام في أمورنا كلها تحت غطاء الشفاعة الحسنة التي انقلبت سهماً يصيب العمود الفقري للمجتمع ويحطم مرتكزات الانتماء الوطني للفئة التي لا تجد لها معينا ولا تجد لها شفاعة - آسف واسطة - تحقق لها حقها الذي ربما يسلبه القوي بغيره لا بكفاءته وقدراته ومؤهلاته ومستنداته. وإذا أردت أخي الكريم أن تتأكد من هذا الموضوع فما عليك إلا أن تتلفت يميناً أو يساراً لتجد من يسألك عن مسؤول مؤثر في الجهة أو الهيئة الحكومية أو المؤسسة التعليمية.
وربما يكون السبب وراء هذه الحال يكمن في النظام الذي لم يعد يتوافق مع متطلبات الواقع ولا يتمتع بمرونة منطقية تساعد الجميع على فهمه والتعامل مع معطياته، أو قد يكون السبب كامناً في الآلية التي يتم من خلالها اختيار الأشخاص المكلفين بتطبيق النظام وتحقيق مصالح المواطنين، كما قد يكون السبب كامناً في البيروقراطية الإدارية التي تغلف الأداء في القطاع العام مما يدفع بالبعض إلى الاستعانة بالغير لتلافي تداعيات البيروقراطية والبيروقراطيين.
وأياً كان السبب فإن الضبط الاجتماعي والإداري المطلوب لتحقيق التنمية الشاملة يتطلب بذل المزيد من الجهد لصيانة المنظومة النظامية التي تنظم العلاقات الانسانية وتحفظ حقوقهم وتحدد مسؤولياتهم حتى تتحقق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والإدارية وحتى تنتفي دواعي الفساد الإداري والمالي التي تنهك المجتمعات وتحطم آمالها التنموية المستقبلية. كما أن الضبط النظامي يتطلب توفر الآلية الفاعلة لمراقبة تطبيق الأنظمة ومحاسبة المتجاوزين دون اعتبار مؤثر لشخص المخالف أو موقفه من السلم الإداري، وفي اعتقادي أن انتفاء عنصر المراقبة والمحاسبة هو العامل المؤثر الذي يقف وراء تمادي البعض في تجاوزاتهم النظامية وعدم احترامهم للأنظمة الوطنية. وبالتالي فإن رغبتنا كمواطنين في نجاح الخطة الإصلاحية الوطنية التي تعيشها بلادنا في الوقت الراهن يدفعنا إلى القول بضرورة التركيز على الأنظمة ومجالاتها التطبيقية باعتبارها الضابط الوطني للمسيرة التنموية المستقبلية والحاكم الرئيس لممارسات الأفراد والجهات الحكومية المختلفة. فكلما كنا قادرين على صيانة النظام وحمايته من اعتداء المعتدين، كنا أكثر قرباً من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والأمني وكنا أكثر جرأة في خطواتنا التنموية المختلفة. فهل يتحقق ذلك..؟ الله أعلم.
Drmofa.yahoo.com
|