Tuesday 19th august,2003 11283العدد الثلاثاء 21 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الرمز الإسلامي في الشعر السعودي المعاصر الرمز الإسلامي في الشعر السعودي المعاصر
عدنان صالح الشهري

تهدف هذه المقالات الى الكشف عن علاقة الشاعر السعودي المعاصر بتراثه من خلال تسجيل أو توظيف الرموز الاسلامية، خاصة أن هذه العلاقة قد أخذت بعداً جديداً في الشعر السعودي المعاصر وقد دفعتني الى اختيار هذا الموضوع أسباب متعددة، منها ما هو ذاتي، ومنها ما هو موضوعي عام.
ولعلي أذكر منها:
1- عدم وجود دراسة سابقة تناولت موضوع الرمز الاسلامي في الشعر العربي بصفة عامة والسعودي بصفة خاصة تناولاً شاملاً.
2- إن البحث يتعلق بدائرة أدب عربي عزيز على النفس، ألا وهو الأدب السعودي، فوجب عليَّ - بصفتي أحد أبناء هذا الوطن الغالي - أن أرد الجميل ولو بالشيء اليسير، خدمة لأدبنا وثقافتنا وعقيدتنا وتراثنا وفكرنا ومجتمعنا.
3- هناك من يزعم ان الأدب الاسلامي «أدب لا يشكل في حد ذاته أو في صورته المجردة إلا بنية مغلقة من الصور والرموز والظلال، تستنكف عن الوفاء بمستجدات الحاضر المتجلية، فيما تعيش الآداب الأخرى ضروب التطور وألوان الارتقاء»(1). والحقيقة ان الرؤية في الأدب الاسلامي «لم تجهر برفض المناهج الفنية الحديثة، وعياً منها ان الإمعان في استقلال الذات دونما تعليل معقول أو عذر سائغ لا يعدو أن يكون ضرباً من الاستعلاء السخيف الذي من شأنه ان يطامن من انزياح التلاقح الأدبي ويعزف عن الاستفادة الثرية مما يحبل به وفاض الآداب الأخرى من عطاءات فنية ومنهجية.. - ويواصل الأستاذ الريسوني حديثه قائلاً - ولا أخالني مغالياً إذا ذهبت في قولي الى أبعد من هذا وزعمت ان الرؤية الاسلامية تستحسن الانفتاح، بل وتحض عليه انطلاقا من أسباب ودواعٍ مختلفة، لعل أكثرها أهمية وخطورة الباعث الجمالي والأدبي، وإحكام الصنعة الفنية»(2).
ولهذا نجد الشعراء الاسلاميين يستلهمون الرموز، دون تحرج، لأنها تثري خطابهم الشعري. والرمز من شأنه إثراء الخطاب الشعري، وتعميق رؤاه الفنية التي يفيض منها ويهجس بها في إطار تجلية مواقفه الخاصة من اشكالات الكون والانسان والحياة(3).
والشاعر السعودي المعاصر بما أوتي من ثقافة، وبما تتأسس عليه رؤيته المعاصرة من وعي بالتجديد عمد الى استلهام الرمز الاسلامي لاغناء تجربته الشعرية وتجافي المباشرة التي تعفي جمال الأدب، وتفسد قدرته على التأثير والإقناع.
4- أن الشاعر السعودي المعاصر، وهو في رحلة البحث عن وسائل فنية جديدة في البناء الفني لقصيدته، وجدناه يتأثر باتجاه الرمزيين الذين يرون «أنه لا ينبغي للشاعر ان يستنفد كل ما في وجدانه ليسكبه في وجدان الآخرين، بل عليه أن يوحي الى نفوسهم عن طريق الصورة والموسيقى حالات نفسية تثير فيها احساسات مشابهة لما يحس به الشاعر»(4) وهذا يجعلنا نستبطن الشعر السعودي المعاصر، حتى نكشف عن قدرة الشاعر السعودي المعاصر على توظيف تلك الرموز الاسلامية.
5- ان الرمز وسيلة لحمل الرؤى والأفكار، وللتعبير عن خلجات النفس التي يعيشها الشاعر تجاه موضوعه. فهو أداة تصوير كاشفة عن طبيعة التصور ومعادل خارجي لما انطوى في داخل الشاعر من أحاسيس. وهذا يجعلنا نتوقف أمام الرمز الاسلامي عند الشاعر السعودي الذي أخذ يضرب في جنبات الحياة بحثا عن تلك الرموز، الثرية بالدلالة، الناهضة بالتعبير عن أحاسيسه ورؤاه.
6- اتجاه الشاعر السعودي الى توظيف رموزه الاسلامية من مضامين تراثية «باعتبار هذا التراث منجم طاقات ايحائية لا ينفد له عطاء، فعناصر هذا التراث ومعطياته لها من القدرة على الايحاء بمشاعر وأحاسيس لا تنفد، وعلى التأثير في نفوس الجماهير ووجداناتهم ما ليس لأية معطيات أخرى يستغلها الشاعر، حيث تعيش هذه المعطيات في وجدانات الناس وفي أعماقهم تحف بها هالة من القداسة والإكبار؛ لأنها تمثل الجذور الأساسية لتكوينهم الفكري والوجداني والنفسي، ومن ثم فإن الشاعر حين يتوسل الى ايصال الأبعاد النفسية والشعورية لرؤيته الشعرية عبر جسور من معطيات هذا التراث، فإنه يتوسل الى ذلك بأكثر الوسائل فاعلية، وقدرة على التأثير والنفاذ»(5). ولذلك كان لزاماً أن نتعرف على الأسباب التي جعلت الشاعر السعودي المعاصر يوظف التراث مع محافظته على التميز والخصوصية اللتين تفرضهما الطبيعة والظروف المحيطة، ويستوي في ذلك أن يكون التراث أحداثاً أو أشخاصاً.. إلخ.
وبعد فلقد ارتأيت بناء على ما سبق ان أدرس الموضوع دراسة موضوعية علها تسد فراغاً تركه غياب العمل النقدي الجدي والرصين. واكتملت لدي أسباب اختيار الموضوع بعد لقاءات واسعة مع بعض الأسماء المبدعة(6)، مما جعلني أشد حماساً وأكثر اقبالاً على دراسة موضوع «الرمز الإسلامي في الشعر السعودي المعاصر».
والمقصود بالرمز الإسلامي: هو تلك الأسماء والأماكن والأحداث الاسلامية التي يستثمرها الشاعر في النص محملة بحمولات تاريخية معينة قد يسجلها الشاعر بحيث تبقى لها دلالاتها التراثية، وقد يتدخل الشاعر لتحويرها أو لتوظيفها بحيث تصبح لها دلالات جديدة معاصرة. وتلعب هذه الرموز الاسلامية دوراً أساسياً في القصيدة، لأن مجرد حضورها يستدعي مجالات فكرية ونفسية تدعم دلالات النص وتعمقها بحسب مضامينها الدينية أو التاريخية أو الأدبية.
ولقد رأيت أن: «الرمز الإسلامي» أدق من :«الرمز التاريخي»، لأن التاريخي يشمل الاسلامي وغير الاسلامي، والعربي وغير العربي، هذا من جهة أن تكون الدراسة دقيقة ومحددة.
والرمز الاسلامي: هو الرمز الذي اشتهر بدلالته الاسلامية من حيث انتماؤه الى الدين الاسلامي كشخصيات الأنبياء والرسل، والصحابة، والتابعين، وأحداث الفتوحات الاسلامية وقادتها العظماء الذين التزموا بنظام الاسلام وشريعته الصحيحة لا المحرفة أو المفهومة خطأ. أو من خلال وروده في سياق اسلامي كالشخصيات المنبوذة كشخصية «فرعون»، فتظل صفة الاسلامية مرتبطة بسياقه الذي ورد فيه.
والمتأمل للشعر السعودي المعاصر، يلحظ تسجيلاً وتوظيفاً للرموز الاسلامية، سواء أكانت أسماء أو أماكن أو أحداثاً أو إشارات اسلامية عامة، وخاصة عند الشعراء الذين يبدون من خلال قصائدهم أكثر اطلاعا على التراث العربي الاسلامي. علماً بأن استلهام الرموز الاسلامية يختلف من شاعر لآخر؛ فمنهم من يعمد الى استلهامها دون أية محاولة لتوظيفها، ومنهم من يحشو القصيدة بها دون مراعاة لمتطلبات السياق وللرؤية الفنية، بطريقة لا تكشف إلا عن تقعره وفقره الثقافي والمعرفي، ومنهم من يوظفها في صورة جزئية، أو كلية، أو محورية، ومنهم من يقتنع بها بطريقة فنية عالية، فيوفق في توظيفها داخل القصيدة. مما ترتب عليه ضرورة عرض الغث والسمين من قصائد الشعراء، لأن وصف ظاهرة استلهام الرموز الاسلامية يستوجب - أحياناً- تتبع النصوص الشعرية بغض النظر عن القيمة الفنية لبعضها.
أما مفهوم «المعاصر» فأعني به الفترة الواقعة بين عامي «1390هـ-1420هـ» «1970م-2000م» وربما يلحظ القارىء ان هناك خروجا عن هذه المدة الزمنية، وهذا لا يخرج عن مهمة التمهيد أو الربط الذي يستدعيه منهج الدراسة، ولقد كان لدي احساس كبير بأن القصيدة السعودية المعاصرة في هذه الفترة يمكن ان تعتبر وثيقة فنية لاستلهام الرموز الاسلامية.
ومن الأهمية بمكان، الاشارة الى انه لم توجد حتى الآن - فيما أعلم - دراسة تناولت موضوع الرمز الاسلامي في الشعر السعودي المعاصر، الأمر الذي تتجلى معه جدة الموضوع، بيد ان بعض الباحثين قد عالجوا جوانب من علاقة النص الشعري المعاصر بالتراث العربي منه، والسعودي على نحو خاص، كاشفين عن ما هية تلك العلاقة وطبيعتها وطريقة إفادة الشعراء من تراثهم العربي والاسلامي.
وسنحاول قدر المستطاع ان نحقق أهداف الدراسة من خلال رصد ظاهرة تسجيل وتوظيف الرموز الاسلامية في الشعر السعودي المعاصر، وشرح أنماط كل مرحلة، معتمدين في ذلك على المنهج الوصفي، متخذين من التحليل الفني أداة اجرائية نتمكن بها من تحليل النصوص الشعرية، الى جانب الإفادة من المناهج الأخرى التي تساعد على شرح ظاهرة «الرمز الإسلامي في الشعر السعودي المعاصر» ودراستها.
الهوامش
(1) قطب الريسوني: الأدب الإسلامي وشبهة الانغلاق (مجلة القافلة، ع2، مج44، صفر 1416هـ) ص10.
(2) قطب الريسوني: الأدب الإسلامي وشبهة الانغلاق، ص10
(3) انظر: المصدر نفسه ص10.
(4) عبدالرحمن عثمان: مذاهب النقد وقضاياه (مطابع الإعلانات الشرقية، القاهرة، 1975) ص371.
(5) علي عشري زايد: بناء القصيدة العربية الحديثة (مكتبة دار العلوم العربية، القاهرة، 1972) ص128.
(6) منهم الدكتور: يوسف عزالدين، والدكتور: حسن الوراكلي، والدكتور: عبدالرحمن العشماوي، والأستاذ: علي ربيع الزهراني، وغيرهم.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved