جاءت مشاركة المملكة العربية السعودية في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون على غير ما يهوى أي فرد سعودي حيث شاركت المملكة بعدد من الاعمال ولكن للأسف لم يفز أياً منها واكتفينا فقط بجائزة «ترضية»، جائزة تمنح للمشاركين فقط لمشاركتهم لا لمستوى مشاركتهم.
هذا الحال وهذه النتيجة بالطبع لا ترضي أحداً ولا أتوقع أن الكلمة ممثلة بوزارة الإعلام والثقافة سترضى بذلك، ولا نحن ايضا نرضى بذلك مهما كانت الدولة التي فازت بالجائزة الأولى ولا حتى الثانية والثالثة، ونحن نعرف ان لدينا الامكانات التي تؤهلنا لاعتلاء ارقى المراكز وأشرفها.
فلدينا المال الذي به نحصل على أفضل الاجهزة الفنية ونستطيع ان نبني به الاستديوهات الكبيرة ونفتتح المعاهد الفنية لتدريب وتأهيل من لديهم الميول الفنية، كما أن لدى المهتمين بتلك الامور خططاً وبرامج لعمل ذلك وتنفيذه على أرض الواقع لاستقطاب عدد كبير من الشباب السعودي الذي يبحث عن فرص جادة للعمل.
لقد شاركنا في مهرجان القاهرة فقط لمجرد المشاركة ولتأدية روتين سنوي جرت العادة على تأديته كما لو كان اجتماعاً دورياً لدائرة حكومية ما، لم نكن نفكر في هذه المشاركة من بداية الموسم ولم نتأمل الأعمال عندما اخترناها ونفذناها واخرجناها هل هي ترتقي إلى المستوى المأمول الذي يخولها لان تحصد الجوائز أم لا؟
ان المشاركة بأعمال هزيلة لا يعطي إلا الجوائز الهزيلة، ونحن عندما كنا نتكلم عن تواضع الأعمال لدينا كان المشرفون على الأعمال يحتجون علينا ويستميتون في الدفاع عن اعمالهم وعن كتاب قصصهم، وعندما نقول ان لدينا فساداً فنياً وتستراً على منتجين اجانب لا يهمهم إلا الكسب المادي فقط كان الكثير يغالطنا في سبيل الحصول على فائدة من ذلك الاجنبي الذي يعمل قليلا ويكسب كثيرا.
نحن لا نريد ان نضر غيرنا ولا نريد قطع رزق أحد ولكننا كنا صادقين فيما ذكرناه، بل وكنا نجلس مع المخرج الفلاني ونقول له ان القصص التي يكتبها الكاتب الفلاني غير مقنعة فنيا ويبدو عليها كثير من الملاحظات لكن هذا الرجل وغيره لايسمعوننا وكأنهم يتهموننا بعدم الفهم وانهم هم الذين يفهمون فقط، نعم هم يفهمون - هؤلاء التجار- ولكن في كيفية الربح، فالكتابة فن والسيناريو فن والحوار فن وكلها ترتبط بعضها لتشكل فناً درامياً ولو أبدع شخص في الكتابة لا يعني انه مبدع في السيناريو أو الحوار، تأملوا مسلسلا سعوديا وحاولوا ان تخرجوا بفكرة ادبية أو مقولة مأثورة أو مثل شعبي جميل، لن تجدوا غالبا، لذلك يجب ان نتنبه لما يقع عليه اختيارنا من كتاب وسيناريست ونبتعد عن القصص التي نراها في اعمالنا والتي تدور حول محور واحد في الغالب، وانا اعرف ان هناك من يعارضني في هذه المسألة لكني متأكد من كلامي وأرى أن قصص مسلسلاتنا تدور حول محور واحد واما المحاور الاخرى- إن وجدت فهي هامشية لا تحظى باهتمام المشاهد.
ان الخلل في اعمالنا لا يكمن في القصة فقط فهناك اسباب اخرى لتواضع اعمالنا منها قلة وعي بعض المشرفين على الاعمال الدرامية ويجب ان نستثني المشرفين في مؤسسة الهدف وليالي وجديرة وقبان فهؤلاء يعملون ويسعون جاهدين لتقديم اعمال ممتازة، فالاشراف على العمل الدرامي أمر صعب جداً لا يوجد بين النجاح والفشل فيه سوى شعره، والمشرف هو الجندي المجهول وهو أكثر العاملين عرضة للصداع والقلق والارق وغيرها، ولا يصح ان يتولى هذه المهمة إلا شخص مسؤول وواعٍ بالعملية الفنية ولديه حسن اختيار واحساس فني عال، ويفشل كثير من المنتجين بسبب اختيارهم لمشرف فاشل فقبل ان يصبح مشرفا كان ممثلاً ولكنه توجه للاشراف بسبب فشله في التمثيل، والحكمة تقول «فاقد الشيء لا يعطيه».
كما ان من اسباب تواضع العمل السعودي ان الممثل السعودي اصلا غير معروف في الوطن العربي- غالبا- وغير مطلوب وغير مقنع للمشاهد السعودي فما بالك بالمشاهد العربي الذي تعود على رؤية فريد شوقي وعادل امام وغيرهم.
هذا الممثل السعودي غير قادر على حمل مسلسل كامل ولا يملك الخبرة في ذلك إلا ما ندر منهم، وكون الممثل هو الشخص الذي تقع عين المشاهد عليه واينما ذهب تجد الكاميرا وعين المشاهد تذهبان معه فمن الضروري ان يكون هذا الممثل مقنعا في ادائه وفي طريقة تقمصه للشخصية أو تناوله لها.
إذ ليس الامر كما يفعل اغلب فنانينا منذ ان بدأ في التمثيل وهو بشخصية واحدة لا تتغير قيد انملة.
كما ان هناك سبباً اخر وهو عدم التعامل مع مسلسلاتنا بواقعية الاعمال الدرامية الاخرى في الوطن العربي، فهناك امور فنية يجب ان تدخل في الدراما مثل الموسيقى التصويرية والغناء والشعر واحيانا الجرافيكس والاضاءة والصوت ومواقع التصوير حتى لون السجاد والجدران والاثاث كلها يجب ان تكون مدروسة.
اما ما يحدث في اعمالنا مثل التصوير في الشقق المفروشة والمزارع والصحراء والشوارع الفارغة وسرقة بعض اللزمات الموسيقية أو المؤثرات الصوتية أو الاغاني فليس من الاحتراف الفني بشيء.
وهناك سبب آخر مهم وهو غياب البيئة السعودية في اعمالنا، فهل سبق ورأينا مشهداً تمثيليا في احد الشوارع المشهورة في مدينة الرياض مثلا أو في الريف الحقيقي في السعودية أو في سوق شعبية؟
ان عنصر البيئة مهم جداً وهو احد اركان القصة ويجب ان يتواجد هذا العنصر في العمل الدرامي فلا تدور الاحداث إلا في البيئة حتى ولو كانت براً خالياً، وليس من المقنع ان تكون البيئة شقة أو قصراً فقط، انتم تقدمون عملا فيه شخوص يتحركون بحرية وليسوا مسجونين داخل شقة أو قصر ولِمَ لا يكون الحوار مثلا في احد المتنزهات في العاصمة او احدى الحدائق أو الشوارع؟ نحن نرى ونشاهد البيئة المصرية من خلال اعمالهم وعرفنا مدينة القاهرة والاهرامات والريف المصري الجميل من خلال الاعمال الدرامية أو السينمائية فلم لا نكثف المشاهد الخارجية لنعطي المصداقية الكاملة لأعمالنا؟
ان الممسكين بزمام الامور الفنية مسؤولون عما يحدث لاعمالنا من ترد وعدم تقدم كما ان السرعة في اختيار الاعمال والسرعة في تنفيذها امر مربك جداً ويورد الزلل.
ولا نغفل ابداً امراً يعاني منه كثير من المنتجين وهو غياب البيئة الفنية في المملكة، فالسعوديون لم يتعودوا على مشاهدة مجموعة من الناس تحمل كاميرات ومصابيح وتغلق الشارع لتصور فنانين يلبسون ملابس غريبة وما إلى ذلك.
اضافة إلى ان مسألة التصوير ذاتها مسألة صعبة جداً تحتاج إلى ادراج عجلة روتين كبيرة للحصول على تصريح قد يرفض احيانا من بعض الجهات الحكومية لأسباب غير واضحة أو واضحة، المهم انها ستؤخر موعد التصوير مما يعني خسارة جهد ومال.
اما السبب الاكثر تأثيراً على الاعمال الدرامية فهو غياب العنصر النسائي وهو ما يجعل المنتجين يتجهون إلى الاستعانة بفنانات من الدول المجاورة مثل البحرين والامارات والكويت مما يجعل اللهجة مختلفة اختلافاً كبيراً ومنفرا، وليس هذا وحسب بل ان كثيراً من هؤلاء الفنانات لسن على المستوى المطلوب.
لذلك يجب ان يتكاتف المنتجون جميعا في سبيل تحقيق ما يصبون إليه لكي نرتقي بالدراما السعودية إلى مصافي الدول المتقدمة فنيا مثل مصر وسوريا.
وكي نحقق ذلك لابد من توفير الكتاب والنصوص الجيدة سواء بسعودة النصوص- كما يحدث الان في طاش11- أو حتى بتعريبها ومن ثم سعودتها، وكذلك يجب توفر السيناريست المثقف- على الاقل بالثقافة السعودية- كي ندخل بعض الجرعات الثقافية في اعمالنا.
كما يجب توفير دورات حتى ولو كانت مكثفة للممثلين والفنيين السعوديين.
كما لا نغفل مسألة التأني في اختيار الاعمال وتفعيل دور الرقابة والارتقاء بمستوى المراقبين فنيا، فلماذا لا يكون من حق الرقابة ان ترفض النص بسبب ضعفه أو لغياب العنصر الدرامي فيه أو حتى ضعف ذلك العنصر الدرامي؟
ولابد ان نوفر البيئة الفنية المريحة للفنان وتوفير مساحة كافية لإقامة مدينة انتاج تستقطب حتى الاعمال الفنية للدول القريبة وتكون ملتقى الفنانين والمنتجين والفنيين وإقامة هيئة لهم على غرار هيئة الصحفيين السعوديين، والأمر المهم هو اختيار المشرفين الجيدين على الاعمال الدرامية.
|