تكاد المملكة العربية السعودية ومثلها دول الخليج العربي أن تفقد توازنها السكاني في فصل الصيف.. لكثرة المرتحلين منها طلباً للراحة والاستجمام كما يعبر الأكثرون، والبحث عن الأجواء الباردة والمرفهة..
***
افتقدنا في هذه الأيام نسبة كبيرة من جماعات المساجد والجوامع.. وهو المقياس التقريبي لمعرفة العدد الهائل للمسافرين.
وفقدت الاسواق التزاحم على شراء مقومات الحياة وهوامشها. وفي هذا الكساد ما يضر باقتصاد البلاد. وينقل المعادل له إلى أسواق الدول الأخرى.
بمعنى أن ما ينفقه المسافرون خارج حدود المملكة.. متعاوناً أو مترافقاً مع تحويلات العمالة الأجنبية إلى أوطانهم عشرات المليارات من الدولارات.. فيه هدر وهدم لثروة المملكة.. يدرك المتخصصون في الاقتصاد اثاره السلبية الخطيرة.
في (مصر) بلغت نسبة السياح السعوديين 80% من السياحة فيها هذا الصيف، وإذا كان من خيار بين البلدان التي يتجه إليها (المصيفون) السعوديون والخليجيون.. فهو أن يكون الخيار للبلاد العربية لكونها دولٌ شقيقة.. وعلى حد قول الشاعر:
إذا كنتُ مأكولا فكن أنت آكلي
وإلا فأدركني ولَمّا أمُزّقِ
***
وسبحان مغير الأحوال.. في الأزمان الماضية.. يرون (الأسفار قطعة من نار).. وإذا أراد أحد منهم أن يسافر إلى خارج بلدته أو خارج دولته.. يكون ذلك اليوم.. يوم مأتم.. ويستمر الحزن يحرق قلوب الوالدين والأولاد وأم الأولاد.. والاخوان والأصدقاء.. وإن سَلا بعضهم على مر الشهور والأعوام.. فإن البعض الآخر لا تنطفئ نار فقْدِهم للحبيب الغائب.. وخاصة الوالدين والزوجة، حتى أن بعضهم يصاب بأمراض لا يعرفون ما هي.. تودي بحياتهم قبل أن يعود الحبيب المسافر.. ولهم في هذا الشأن (قصائد) تفجر أنهار القلوب والعيون، وأكثرها - بطبيعة الحال - من الشعر العامي.. ويندر وجود الشعر الفصيح في ذلك الزمان.
***
أما اليوم فقد أصبح السفر هيناً ليناً.. وليس على ظهور الابل التي تستهلك شهراً.. فيما تقطعه الطائرة في ساعة.. هذا إذا لم يكن دون البلد المتجه إليه بحار أو أنهار.. بل يسافر وكأنه جالس على أريكته في بيته.. لا مشقة.. لا ملل.. لا جوع لا عطش لا خوف من (الحنشل) أن يسلبوه راحلته وما عليها ويتركوه يهيم في البيداء حتى يهلك.. إلا أن يقيض الله له (قَطِيْن بدْوٍ) يؤونه ويسهلوا عودته إلى أهله بخفي حنين..!
***
كان السفر قبل سبعين عاماً، تقريباً، محفوفاً بالمخاطر والمتاعب التي لا نهاية لها إلا بتحقيق طموحات المسافرين في تحصيل ما يمكن تحصيله من رزق ولو على أسنة الرماح والعودة إلى أهلهم سالمين غانمين كما يقول الشاعر:-
إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا
فما حيلة المضطر إلا ركوبها
***
المسافرون عن مدن وقرى المملكة في السنوات الأخيرة هم ثلاثة أصناف:
- الصنف الأول:
ولا مقارنة بينه وبين الصنفين الآخرين.. هم الذين وفقهم الله لقضاء عطلة روحانية عظيمة في بيت الله الحرام حيث اعتمروا وصلوا وتلوا كتاب الله.. ومكاسب هذا الصنف العظيم.. ورصيدهم الذي ادخروه للآخرة، هو فوق ما يتصوره الكسالى أمثالي.. نسأل الله أن يشركنا معهم في الأجر بغبطتنا لهم وليس بحسدهم.. وفق حديث نبوي معروف.
- الصنف الثاني:
هم الذين يقضون اجازاتهم بالتنقل بين مناطق السياحة في المملكة حيث اغتنموا البراد المنعش.. ومعرفة جيدة عن مناطق ومدن لم يروها من قبل.. أو ازدادوا معرفة بها، وفي هذا خير كثير.
- الصنف الثالث من المسافرين:
هم الذين ذهبوا إلى أماكن فيها الخير وفيها الشر.. فمن مارس منهم الخير فتخفيف عن ذنوب السفر إلى بلاد الكفر إلا بشروطه.
ومن مارس الشر والفساد فقد خسر الشيء الكثير من دينه ودنياه.. ونقول {فّأٍوًلّئٌكّ عّسّى اللّهٍ أّن يّعًفٍوّ عّنًهٍمً وّكّانّ الله عّفٍوَْا غّفٍورْا}.
|