* انقطعت الكهرباء عن المدن الكبرى في شمال شرق قارة أمريكا الشمالية، وعن «ديترويت» و «كليفلاند»، فيما وصَفَه الرئيس الأمريكي «بوش» بأنه أكبر، وأطول، انقطاع، للطاقة الكهربائية في تاريخ هذه القارة العظمى.
* «بيل ريتشارد سُوت» وزير الطاقة في عهد الرئيس «كلينتون»، ثم مندوب الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأمم المتحدة، والحاكم الحالي لولاية «نيوميكسيكو»، قال: إن من المخجل أن تواجه الولايات المتحدة هذه المشكلة، وتتعامل معها، كما تفعل دولة من دول العالم الثالث.
* نام الأمريكيون على الأرصفة في معظم المدن تقدماً، وثراءً، والتحفوا القيظ، والظلام، وشيئاً من العطش، وروائح البؤس البشري، كما يفعل البائسون على أرصفة «بومبي»، وتضايقوا قليلاً من انقطاع نعمة الكهرباء عنهم، ولمدة أطول، مما عاناه أهل «جيزان»، فتعلموا، بعضاً من التواضع، وأحسُّوا بشيء من معاناة الفقراء، والبؤساء، في العالم الكبير على اتساعه، وفي النواحي الجنوبية من الأرض على ازدحامها وإهمال أهلها، والعالم، لها. ولا عزاء في ذلك ، لأهل «بومبي» أو أهلنا في «جيزان»، ولا تشفِّي مريض من المخلوقات البشرية المتعذبة، في أمريكا، أو أي مكان، ونحن قومٌ نطالب بالعدالة، والمساواة، في التقدم، والرخاء، والكهرباء ولَسْنا، سَوْداويين لكي نفرح، عندما «يتخلف» المتقدمون، ويتعثر الناهضون، فيُعانون من انقطاع الكهرباء، ونقص الماء، وتلوث الهواء، وتراكُم «قضايا» الصرف الصحِّي، وغيرالصحِّي.
* وأضرب مثلاً، هنا، على التفاؤل والصبر، ونظافة القلُوب، بأحبائنا من أهل «جيزان» الكرام الذين يواجهون شيئاً من إهمال قديم، وحظ متعثر، متواصل، حديث بالأمل، والفلّ، والريحان، والغناء العذب، والشعر الجميل والابتسامة الطيبة الصافية، وإكرام الضيف، والتهليل له، ويضربون بالحذاء القديم، مازحين، حظوظهم المتعثرة، وظروفهم الصعبة، وكل المتشائمين، والشامتين، والمتجهمين، في وجه الغد الأفضل.
* حقوق الأحباء في «جيزان» كبيرة، وديونهم المتراكمة علينا، جميعاً، عظيمة، واجبة الأداء دون تسويف، أو تأجيل، وواجباتنا، تجاه قلوبهم الطيبة، وابتساماتهم المشرقة، وتفاؤلهم الجميل، يثقل رقابنا، وظهورنا، ويجب أن يؤرق هجعاتنا، وسبحاتنا، بالليل، والنهار، ولعل الشاعر المواطن، وزير الماء والكهرباء، والري، والضياء، غازي القصيبي، يكون فاتحة طيبة، مباركة، لهذه المنطقة العزيزة، من الوطن، فيعينهم على ري غير مغرق، وكهرباء غير مُهلكة، ولا مُنقطعة.
* وقصة الكهرباء في بلادنا، قصة طريفة، ولعلَّ من طرافتها، أنها مَشت في جُزء من بداياتها مع غازي القصيبي، ثم دار الزمان دورته، وانتظمت الطاقة الكهربائية «دائرتها» فانتهت إلى، غازي القصيبي، من جديد.
* كنا، نعاني، من انقطاع التيار الكهربائي، في مدينة الرياض، في نهاية الستينات الميلادية، ونستعير عن ذلك، ب «الاتاريك»، والفوانيس، ونحتاط لذلك، في ليالي الامتحانات. وكان يسيطر على قطاع الكهرباء آنذاك، رأسماليون، صغار، أو، كبار، ثارت، ثورتهم، وتهدّجت أوداجهم، عندما حاول القصيبي، تحديث هذا القطاع، تنظيما، واستثماراً، فاتهموه، بأنه، اشتراكي، يساري، مندفع، ولكن، اتضح، بعد ذلك، ان «التنظيم»، الجديد فيه خير كبير، للوطن، ولهم، واستطاعت «الكهرباء» ان تواكب، نهضةً وطنية، شاملة، ولنا ان نتصور، الاختناقات القاتلة، التي كانت سوف تحصل، لو استمر قطاع الكهرباء، على ذلك الوضع الهزيل.
* الحياة تعلمنا بأن، الحلُول، تخلُق مشاكلها. ولقد تعرض قطاع الكهرباء، في بلادنا، إلى اعادة هيكلة شاملة، على أسس علمية، وتنظيمية سليمة، كفيلة بضخ ديناميكية فاعلة، وساهم ذلك في توسع القطاع، وتحديثه، في اطارٍ من تخصيص فاعل، وتحرير من قيود تنظيمية، وقانونية، معرقلة.
* لكن ديناميكية السوق، الفعالة، لها، سواقطها، ولواقطها، كما أن لها، ايجابياتها، ومزاياها. وتتضح لنا الآن أن مشكلة انقطاع الكهرباء، في شمال شرق الولايات المتحدة، ومن قبلها تعثر الوضع الكهربائي في ولاية كاليفورنيا، كان نتيجة ل «التحرير» المتسارع، في قطاع الكهرباء، وغياب التشريع، والرقابة اللذين يضمنان ألا يُهمل قطاع الكهرباء، المحرَّر، بذل الاستثمارالمناسب في تحديث «الشبكات» و«المحوَّلات»ووضع طاقة احتياطية، فائضة، وعائمة، لمواجهة الاحتياجات الطارئة، والأحداث غير المتوقعة.
* لن يحدث هذا بالانصياع الأعمى لهدف الربحية المطلق، خاصة في إنتاج سلعة احتكارية مطلقة، ولكن بتدخل هيئة رقابية ممثلة للمستهلكين، مَسْنودة بتشريع مناسب، وسلطة ملائمة، على هذا القطاع الذي يجب أن تكفل له، من ناحية أخرى، استمرار، تحرّره، وتخصيصه، حتى لا تفقد ايجابيات «التحرير» و «التخصيص» الكثيرة، والمتعددة.
* عَفَا الله عن زمان «القَطْع» الكهربائي في أمريكا وسقى الله زمان «الوَصْل» في «جيزان».
|