ثمة لحظات يشعر فيها الإنسان «بحمى كتابية» تدفعه إلى الكتابة بيد أن الإحساس بالضياع المريع قد يضطر حروفه إلى التقهقر والاندحار... فالكلمات لم تعد سوى أشباح هزيلة مهترئة.. كلمات مهشمة الجباه..
والأحرف التي نسحبها من أفواهنا بدافع التعبير عن حالة نمر بها قد استحالت إلى لعنات آثمة، ومن ثم انسلخت عنها دلالتها التعبيرية فأصبح الحرف ركاما من القلق «المزمن»، ومن الخطوط الجوفاء المجسدة بالغباء في أعلى مراحله التكوينية.
كثير من البشر يحملون جراحهم على أكف الأمل! ومن هذا المنطلق يمكنني القول بأن هؤلاء «.......» يتعذبون ويصطلون بحرارة الأمل.. فعذاب الأمل أشد ضراوة من مرارة اليأس.
الأمل عند هؤلاء نوع من الألم المستمر والنتيجة الحتمية معاناة مستوطنة وتمزق داخلي مرير، تمزق نابع من طبيعة التكوين الايديولوجي والنفسي للحالة التي نعايشها جميعاً.. حالة الألم الممعن، ولكنه الألم الأبيض، الألم الذي يصهر الإنسان ويشحذ روحه ويجعلها في رقة أجنحة الفراشة اللعوب! ذلك الشعور الذي يضع المرء أمام نفسه في حالة من العراء التام الصدوق، بل هو لا يكاد ينفصل عنها في اللحظات المصيرية التي يتأرجح فيها الوجدان ويتدفق معها الشعور. ان الإنسان في موقف الألم يمتزج بذاته كأروع مايكون التلاحم، وكأعمق ما يكون الامتزاج.
لربما ان هناك اختلافا في الشكل في تجارب التمزق والمعاناة بين البشر ولكني عليم أن الجميع سيصلون إلى نهاية واحدة مازالت الإنسانية جمعاء تحاول الوصول إليها، وصدى خطواتها المنهكة يطرق مسامع الزمن الضائع على نحو رقيب.
خاص
عزيزي طلعت:
لقد حاولت ألا أكتب.. وأظل قابضا على أحرفي «بكلتا يدي» ولكن غليان الحروف وصل إلى درجة فرض عليّ موقفا قد أكون وضعت فيه قسرا.. فمن الصعوبة على الإنسان - أي إنسان- ان يقف بكل بلادة أمام الأعين في حالة من العراء «الحرفي» - إن جاز التعبير- وعلى أي فإن الدنيا لاتزال بخير..
|