يقول الخبر الصحفي: أبدى أحد روَّاد السينما أسفه لانحدار الإنتاج السينمائي المصري، وضياع تاريخ مصر السينمائي بعد بيع أصول الأفلام المصرية القديمة.
وقال: إنَّ مصر أصبحت بدون تاريخ سينمائي، بعد بيع تلك الأفلام مما يهدِّد ذاكرة السينما المصرية، وأكد أن السينما المصرية أكثر «احتشاماً» من الأفلام الأجنبية وبعض الأفلام العربية.
هذا ما نقله الخبر الصحفي الذي نشرته إحدى الصحف خبراً بارزاً في صفحتها الأخيرة مع صورة ملتقطة من أحد الأفلام ذات «الاحتشام؟!».
ولأنَّ ظاهرة انحراف بعض الصفحات الأخيرة في بعض الصحف أصبحت منتشرة فإنني لن أتحدَّث هنا عن هذه الأزمة «الخلقية» الصحفيَّة في بعض صحف عالمنا الإسلامي، ولكنني سأقف وقفة تهميش سريع على الخبر الصحفي السابق.
أول ما يلفت نظر الإنصاف في الخبر إقحام كلمة «الاحتشام» فيه، إقحاماً غاشماً ظالماً لما فيه من الإجحاف بحق هذه الكلمة الطيبة ذات المعنى الطيِّب الجميل، فأين الاحتشام من تلك الأفلام التي لا تخرج في مجملها عن دائرة الإغراء والانحراف الخلقي والسلوكي، حتى في الأفلام التي تتناول أحداثاً سياسية أو عسكرية أو غيرها من الأفلام ذات الموضوعات الجادَّة؟!.
وثاني ما يَلفت نظر الوعي ذلك الأسف الشديد من ذلك الرجل السينمائي المخضرم على ضياع تاريخ مصر السينمائي بسبب بيع أصول الأفلام المصرية القديمة، مشفوعاً بأسف آخر على انحدار الإنتاج السينمائي في الفترة الحالية من تاريخ السينما الأسود.
وثالث ما يلفت نظر البصيرة قول الرجل: إن السينما المصرية أكثر احتشاماً من الأفلام الأجنبية وبعض الأفلام العربية.
إنَّ الخبر الصحفي الذي سوَّد مساحةً لا بأس بها من الصفحة الأخيرة من تلك الصحيفة يؤكِّد لنا الغفلة والغفوة اللتين تسيطران على عقول بعض الناس وقلوبهم بالرغم من وضوح الرؤية، وجلاء الظلام، وبيان صورة الحقِّ، فالسينما في أنحاء العالم تذكِّرنا بالمثل العربي القديم الذي يقول «كلبٌ مبطنٌ بخنزير»، وهو مثل واضحٌ جداً في بيان السوء الكامل ظاهراً وباطناً في بعض الأشياء، ولعلَّ وضوح هذا المثل هو الذي جعل «الميداني» في غنىً عن شرحه حينما ذكره في كتابه «مجمع الأمثال».
نعم، إنَّ السينما أبعد ما تكون عن الاحتشام في معظم أفلامها، إن لم يكن في جميعها، فالاحتشام هو الحياء والانقباض عن عمل المنكر أو قوله، يقال: احتشم عنه بمعنى استحيا منه، والحِشمَةُ: الحياء،
وإذا قيل: «احتشام» تبادر إلى الذهن هذا المعنى الواضح من الحياء والعفّة، والبعد عن الانحلال في القول أو الفعل، فأين السينما المصرية وغير المصرية من هذه المعاني الجميلة لكلمة الاحتشام؟! إنَّ هذا الإقحام ذنبٌ كبير يجب على صاحبه أن يتوب منه لأنَّ فيه من الادِّعاء والتزوير، وتغيير الحقائق ما لا يخفى.
أما تاريخ مصر فهو محفوظ بما لا يخفى من السياق التاريخي الطويل الذي توَّجتْه تلك القيم العظيمة التي نشرها الإسلام في بلد الكنانة منذ أن رعى صاحب الفسطاط عمرو بن العاص رضي الله عنه حُرْمة اليمامتين المعشِّشتين في زاوية من زواياه، ولا أسفَ على أصولِ أفلامٍ تنفر منها الأخلاق، ويبرأ منها التاريخ.
أما الاحتشام الذي يميِّز أفلام السينما المصرية عن السينما الغربية وغيرها فهو «احتشام» وهميٌّ لا علاقة له بمعاني الحياء والحشمة التي نعرفها جميعاً وهو ما ذكَّرني بالمثل العربي الآنف الذكر «كلبٌ مبطَّنٌ بخنزير»، ولنا أن نتخيَّل صورة ذلك الكلب الذي يجمع إلى نجاسته قبح الخنزير ونجاسته، وقذارته، كيف يكون مستوى سوئه وبشاعته؟.
لو كان في السينما خير لرآه الناس منذ نشأتها، ولو كانت طريق إصلاحٍ للناس، ودرب احتشام لما كانت أوَّل سلاحٍ فتَّاكٍ اسْتخدمته القُوى المعتدية المحتلَّة في العراق أخيراً، إنَّ كل لقطة سينمائية منحرفة تضاهي طَلْقةً هوجاء في ثغرٍ قبيحٍ لرشَّاشٍ تلعب به يَدُ ظالم، فهل يعي الغافلون؟!
إشارة:
يا أمةً لم أزل أشدو بعزّتها
وإنْ تكن أصبحتْ أُلعوبةَ الأُمَمِ
|
|