مهما كان للبعض من نفوذ في العالم، ومهما حاولوا إثارة الشكوك وتشويه الحقائق وممارسة كافة الضغوطات وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، تظل هناك أمور يرفض تماماً تصديقها أو القبول بها العقل والمنطق.
كثر الحديث في الإعلام الأمريكي مؤخراً عن 28 ورقة تتعلق بالمملكة العربية السعودية في تقارير الكونغرس عن أحداث 11 سبتمبر تم حجبها للسرية، وفي الوقت نفسه خلق هذا الوضع الكثير من التكهنات والأقاويل في حق المملكة وأتاح الكثير من الفرص لكل من يملك ضغائن للمملكة وللإسلام وللمسلمين تحديداً، لينفس عن حقده، ولا سيما مع تسريب كل يوم ورقة جديدة من أوراق الكونغرس تلك إلى الاعلام الأمريكي.
ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها هنا وبإلحاح.. من الذي أعد تلك الثماني والعشرين ورقة عن المملكة، وما مدى مصداقية تلك البيانات؟ وما مدى ملاءمة تلك الادعاءات لاستكمال باقي المخططات التي اعدت لمنطقتنا؟ وما دور اليمين المتطرف داخل امريكا وتوجهاته الصهيونية في صياغة ذلك؟؟؟ وأي مصداقية يمكن أن تحمل تلك التقارير، ولقد سبق وأن شاهد العالم حقيقة تلك المصداقية الأمريكية واستغلالها لادعاءات صهيونية زائفة.. وعاشت شعوب لا ذنب لها في شيء ويلات الحرب والدمار واستخدمت معهم كافة الطرق الوحشية وقتل الآلاف من الأبرياء، بأسلحة محرمة دولياً، والعالم أجمع بات يعلم أن هناك حلقة مفقودة في تقارير الكونغرس لدور رئيس للموساد الإسرائيلي في أحداث 11 سبتمبر وتم حجب ذلك والتزام السرية القصوى في ذلك..، فلماذا لا تتسرب الأوراق المتعلقة بالموساد بينما تتسرب الأوراق المتعلقة بالمملكة؟
هل الإدارة الأمريكية الآن تجرؤ على اتهام المملكة بالتورط في أحداث 11 سبتمبر وهي أكبر صديق وحليف لأمريكا في العالم العربي، لعقود من الزمن؟ وهل تجرؤ على ذلك وهي تعلم جيداً ماضي وحاضر المملكة وخير من يعلم بسجل المملكة الإنساني والفريد الذي طالما أشادت به واعتبرته قدوة لدول العالم ولطالما اعتبرت سياسة المملكة حكيمة، ويجب أن يحتذى بها؟
أم هو زرع وضع من الشكوك والغموض حول المملكة لأنها لا تملك أي أدلة أو براهين يمكن أن يتقبلها المجتمع الدولي والعقل والمنطق عن تورط المملكة فتترك العنان للإعلام والصحافة الأمريكية لتستغل الأمر كما تريد وخاصة التيار اليميني المتطرف والصهيوني داخل الاعلام الأمريكي؟؟؟
إن وضع تلك ال «28» ورقة قيد السرية هو مصادرة لحق المملكة في الرد عليها وتبرئة نفسها ودحض تلك المزاعم الباطلة وتلك الافتراءات بالأدلة والبراهين .. وهو أمر يناسب المخططات التي أعدت للمنطقة ويسهل تنفيذها..
والتهديدات لا تتوقف إلى حد المملكة فقط، فهناك سوريا ولبنان وإيران وحتى مصر التي علقت في اعلامها عن المزاعم والافتراءات التي طالت المملكة بأنها أكثر من ذاق من هذه الافتراءات في الماضي والحاضر.. فكلما ناسب اسرائيل أمر وحان تنفيذ مخطط ما يخدم الصهيونية في المنطقة ظهرت الادعاءات والافتراءات وألقيت التهم على الحكومات العربية والإسلامية جزافاً لتشعل الحروب والعنف والدمار والفوضى في منطقتنا، وفي كل مرة لا دليل ولا برهان، ولا الحد الأدنى من ذلك، والآن وقد وضحت التوجهات اليمينية المتطرفة للإدارة الأمريكية الحالية التي هي خير من ينفذ المخططات والأحلام الصهيونية وعلى أكمل وجه، فتوجهات الإدارة الأمريكية الحالية أمر بات محل نقد وهجوم من جميع المعتدلين والشرفاء في العالم وداخل أمريكا نفسها.. فما تشهده الصحافة الأمريكية من هجوم على تلك السياسة ذات الطابع الديني المتطرف المعادي لكل ما هو مسلم، خير دليل، فما ينشر يومياً في الصحافة الأمريكية لا يقل عداء لسياسات الإدارة الأمريكية الحالية عن ا لحملات المحمومة التي تشن على المملكة وعلى المسلمين والإسلام.
وعلى سبيل المثال لا الحصر ما ينشره القس (فريتس ريتسش) في مجلة النيوز ويك منذ 10 مارس الماضي وما ينشره (هاوارد فاينمان) أحد أبرز كتاب النيوز ويك، وما ينشره البروفيسور (مارتن مارتي) وهو قس وأستاذ في جامعة شيكاغو في الوقت نفسه وكان يترأس الجمعية التاريخية الكاثوليكية في أمريكا سابقاً، وما ينشره اشهر كتاب نيوز ويك (كينيث وودارد) الذين أعربوا جميعهم عن اتهامهم بوش بركوب الموجة الأصولية البروتستانتية المتطرفة المعادية للإسلام والمسلمين التي تؤمن بالمشروع الصهيوني وبكافة معتقداته وبمقولته الشهيرة (إن دولة إسرائيل الحالية هي الانجاز الأخير للمشروع الإلهي من أجل عصر ديني) دون أدنى اعتبار للمصالح الأمريكية والعلاقات التاريخية التي تجمع أمريكا ودولا عربية وإسلامية.
وهذا يطرح سؤالا هل 15 من 19 فردا ممن اتهموا باعتداءات11 سبتمبر يحملون الجنسية السعودية أمر يدين المملكة؟ على أي أساس يدين المملكة؟؟ لأنهم يحملون جواز سفر سعودي، فهل البريطانيون الذين نفذوا تفجيرات بالرياض وقتلوا الأبرياء الأعوام السابقة جعل حكومة المملكة تدين الحكومة البريطانية وتتهمها بالتورط؟
إن الجهة التي ساعدت وتواطأت مع من نفذوا 11 سبتمبر هم من يهمهم توريط وادانة المملكة.
فلماذا لم يفصح في أمريكا عن الدور الذي لعبه الموساد الإسرائيلي في 11 سبتمبر وعن التواطؤ الذي حدث داخل الأجهزة الأمريكية نفسها؟ ولماذا لم تسرب أوراق عن ذلك من تقارير الكونغرس؟
إن ماضي وحاضر المملكة العربية السعودية معروف جيداً وأسمى من أن يستغل في أمور «من الزيف والسخف والرخص بالشيء الكثير» وهي أمور يجيدها كل من لديه توجهات تخدم المخططات الصهيونية.
فلطالما كانت المملكة بمنأى عن أي شبهات وعلى أمريكا ان تراجع نفسها جيداً وتحاول استعادة مصداقيتها التي كانت على المحك حين غزت العراق مدعية أنه يمتلك أسلحة دمار شامل وبعد أن قتلت وشوهت الآلاف من الأبرياء هناك وحرقت الأخضر واليابس ولم تعثر عليها ولم تقدم تلك الأسلحة ولم تجدها أمام العالم.. وبعد خروج رئيس النيجر من صمته فيما يخص الادعاء الأمريكي بأن بلاده أعطت يورانيوم إلى العراق واعلانه مؤخراً لوسائل الإعلام بأن هذا الأمر غير صحيح، وان أمريكا ناشدته الصمت في ذلك.. وبعد ما أعلنه مؤخراً بليكس كبير مفتشي الأسلحة بالأمم المتحدة بأن أمريكا بالغت بشأن الأسلحة العراقية وقضية اسلحة الدمار الشامل لدى العراق وأن المزاعم الأمريكية لا أساس لها من الصحة وأنها ربما تلقت تقارير خاطئة وكاذبة.. ولم تتعمد الكذب.. في محاولة دبلوماسية من بليكس لقول الحقيقة فيما يتعلق بأمريكا ويائسة في الوقت نفسه لاراحة ضميره، والآن فقدت أمريكا كل مصداقية لها حين حاولت أن تستخدم ورقة خاسرة تماماً للتشكيك في نزاهة المملكة، ونسيت أمريكا أن العالم أجمع يعلم جيداً أنها من تبنى القاعدة ودربها ودعمها جيداً وفرضت على الحكومات العربية والإسلامية مساعدتهم ودعمهم بالمال والسلاح للقضاء على الوجود السوفيتي في أفغانستان وكقوة عظمى منافسة لها في العالم، ونسيت أمريكا ان العالم أجمع ما زال يتذكر بأنها أول من اعترف بالطالبان ومكنتهم من السلطة..وفرضت على الدول الاعتراف بهم وخاصة الدول الإسلامية وطالبت من المملكة تحديداًf ذلك.. فإن كانت امريكا تعتبر القاعدة وطالبان متطرفين وارهابيين اليوم فعليها أن تعترف بأنها أول من دعم واعترف بذلك الارهاب وبذلك التطرف، وانهما لم يكونا كذلك في السابق لديها ولا ذنب لحكومة المملكة إذا بان المستقبل كان يحمل مفاجآت لأمريكا من القاعدة وطالبان وانقلب السحر على الساحر، ان محاولة اثارة الشبهات حول المملكة ما هو الا افلاس سياسي لحكومة باتت أمام العالم رمزاً للإمبريالية الجديدة التي تقتل وتدمر وبطريقة عشوائية وتزرع الموت والرعب في نفوس الأبرياء أينما ذهبت.. إنها ديمقراطية العولمة الأمريكية الجديدة التي تمارس أعتى صور ارهاب القوى (البقاء للأقوى لمن يمتلك القوة والسلاح النووي والموت والجحيم للضعفاء لمن لا يستطيع مجابهتها». ما ذنب آلاف الأبرياء الذين قتلتهم القوات الأمريكية في أفغانستان لتسقط حكم طالبان لتصحح أخطاءها بشأن طالبان الذين دعمتهم في السابق ومكنتهم من السلطة؟ وما ذنب الآلاف من الأبرياء الذين سقطوا قتلى وجرحى ومشوهين ومعاقين في العراق للقضاء على حكم صدام؟
على أمريكا أن تعترف بأنها وضعت تصورات وحسابات خاطئة في السابق فيما يخص هؤلاء ومصالحها في المنطقة وتصحح الآن تلك الأخطاء بارتكاب جرائم شنعاء ضد الإنسانية وحقوق الإنسان وضد الشرعية الدولية وسيادة الدول وضد كافة القوانين والأعراف الدولية المتعارف عليها، ستظل نقطة سوداء في تاريخها لن تمحى إنها النازية الجديدة.وكما اكتشفت أمريكا اخطاءها متأخراً الآن فيما يتعلق بالقاعدة وطالبان وصدام حسين أيضاً، ستكتشف أخطاء أكبر مستقبلاً قد لا يمكن تصحيحها، فالكراهية التي تزرعها ضدها في العالم الآن نتيجة لممارساتها الجائرة ستكون لها انعكاسات وخيمة عليها وعلى حليفتها اسرائيل في المستقبل القريب واستعراض العضلات التي تفاخر به أمريكا واسرائيل في منطقتنا واستخدام كافة الأسلحة المحظورة والمحرمة دولياً على شعوبنا والقتل العشوائي الذي أسقط الآلاف من الضحايا المسلمين وما زال يسقط المزيد من الضحايا كل يوم وكل ساعة سيكون له انعكاسات رهيبة عليهما أيضاً في المستقبل.وسيثبت الزمن عاجلاً أم آجلاً للشعوب الغربية وللشعب الأمريكي والبريطاني تحديداً أن جنودهم الذين قتلوا ولقوا حتفهم بتوريطهم في حروب قذرة خارجة عن الشرعية وعن الأعراف والقوانين الدولية لم يكونوا أكثر من أداة رخيصة.. لتحقيق المخططات الصهيونية التي أعدت للمنطقة التي كانت للإدارة الأمريكية اليمينية المتطرفة الحالية وتوجهاتها الفضل في تحقيقها.
وقفة:
أقدم خالص الشكر والامتنان لجميع الاعلاميين والقراء الذين ناشدوني لعودة زاويتي والتعليق على الأحداث سواء من ارسل لي شخصياً أو للجريدة ويسعدني تلبية وتحقيق ذلك على الرغم من صعوبة التواصل في الوقت الحالي لأني ما زلت أقضي العطلة الصيفية خارج أرض الوطن.
(*) عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
|