يتفاوت الناس في قضاء إجازاتهم والاستفادة من أوقاتهم لاختلاف المشارب وتنوع الميول والرغبات وكلٌ أدرى بنفسه وأعلم بقدراته.
البعض قد يغالي في هذا الجانب فيقصر الاستفادة من الوقت على قناة واحدة ومسلك واحد فيقصرها في الجانب العلمي فقط، مع أن الجوانب العلمية في هذا الزمن الذي كثرت فيه التخصصات وتعددت ليست موضع اتفاق.هناك جانب غُفل عنه رغم أهميته وقدرة الجميع عليه وحاجتهم إليه وفيه الفائدة مع المتعة والترويح وهو زيارة الأقارب وصلة الرحم والاستفادة من تجارب الشيوخ وخبرتهم، فالشيوخ أرباب التجارب ومخازن الدروس علمتهم الأيام ومستهم الليالي، الآباء حملوا المسؤولية في سن مبكرة فلا ترى أحدهم إلا وشرق وغرب في طلب الرزق وعاش حياة الكفاف ولاقى شظف العيش، عرفوا الأيام، وقارعوا الخطوب وعاشوا تقلبات الأحوال.ولذا قيل: الشيوخ أشجار الوقار، ومناجع الأخبار، لا يطيش لهم سهم، ولا يسقط لهم وهم، إذا رأوك في قبيح صدوك، وإن أبصروك على جميل أيدوك.
وقال الحكيم: عليكم بآراء الشيوخ، فإنهم إن فقدوا ذكاء الطبع، فقد مرت على عيونهم وجوه العبر، ووردت على أسماعهم آثار الغير.
ومن طال عمره نقصت قوة بدنه، وزادت قوة عقله، وكفى بالتجارب مؤدباً وبتقلب الأيام واعظاً، ومن لا تنفعه التجارب لا يدرك المعالي.
تجلس مع أحد كبار السن فيحكي لك بعض تجاربه وشيئاً من ذكرياته ونتفاً من معاناته فتستخرج منها العديد من الفوائد وترى أثر نعمة الله عليك برغد العيش وأمن الطريق تستنير بها في دروب الحياة وتستفيد منه في مستقبل الأيام.ترى الشاب بعقل شيخ ومنطق مجرب لا لطول السنوات التي عاشها لكن بسبب مخالطته ومجالسته لأرباب العقول وأهل التجارب.كم من حادثة حقها ان تروى ولا تطوى ذهبت معهم في أدراج النسيان وطواها تعاقب الأيام.أحداث ووقائع وحكم وتجارب ودروس وعبر في صدور الآباء فهل نستخرجها من مكنونها ليراها الناس ولنُبقي شاهداً على العصر من أهله لا قصص من نسج الخيال ولا حكايات من أفكار القصاص.
(*) عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بمكة المكرمة
|