* الرياض سعود الشيباني:
تزخر مملكتنا بالعديد من المناطق الحضارية التي تشكل فيما بينها لوحة جميلة عنوانها التقدم والتطور.
والخرج أحد روافد الحضارة التي تعيشها بلادنا وأحد ينابيعها الصافية، بها كل وسائل الراحة، يرتادها القاصي والداني نظراً لما تتمتع به من مقومات سياحية متعددة، فضلاً عن الهدوء الذي يلفها والذي جعلها مكاناً ملائماً للاستجمام، كما أن الخرج مكان مناسب للتسوق بما تضمه من مشاريع كبرى.
وتلعب المهرجانات والأسواق الموسمية دوراً مهماً في تنشيط المجالات الاقتصادية فتحمل ابعاداً اجتماعية واقتصادية واستثمارية متنوعة بعد استكمال البنية التحتية وتطور المنشآت والطرق والاتصالات.
مهرجان الخرج الذي أقيم العام الماضي كان نموذجاً حياً للنجاح، حيث دعمته جهود مخلصة بذلها ربان سفينة ناجح حوّل الخرج الى واحة خضراء ونموذج للنجاح هو صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود الذي قدم الكثير والكثير لذلك الجزء الغالي من بقاع المملكة دعمها وساندها ووفر لها وسائل النضج والتطور لتكون المحصلة تحول الخرج الى مثال للتطور والنماء الذي ينشر ثناياه في ربوع مملكتنا الحبيبة.
ومع حلول الصيف تكتسي محافظة الخرج بالعديد من المزايا والرؤى المتعددة التي جلبت الآلاف من الرواد من داخل وخارج المملكة بسبب ما تتمتع به من معالم سياحية يساندها رؤية متطورة من مشاريع ترفيهية وسياحية متنوعة.
وفي هذا التقرير نقدم سرداً شاملاً وقراءة سريعة لهذا الجزء الغالي على خريطة الوطن، قراءة مختصرة لهذه المحافظة الغالية قديما وحديثاً لتكتمل الصورة امام القارىء، وما نقدمه هو رحلة في الأعماق نغوص في الحقيقة نفتش فيها لنقدمها بيسر وسهولة.
سمو الأمير عبدالرحمن بن ناصر آل سعود صاحب التجارب الإدارية الناجحة التي مارسها ويقطف الوطن من ثمارها عين محافظاً للدرعية فحقق انجازات مهمة على عدد من الأصعدة ليحولها الى واحة من التطور.
واليوم يرعى سموه الخرج بكل ما يحمل من معرفة وقدرة وتجربة لتصبح الخرج درة حضارية تنظر بعين واعية لمفاهيم التطور والنماء.
الخرج قديماً
تقع محافظة الخرج بين خطي الطول 30 ،46 و48 شرق خط جرينتش وخطي العرض 5 ،23 إلى 30 ،54 شمال خط الاستواء والى الجنوب الغربي من الرياض ويحدها شمالاً جبال المغره وجبل الجبيل وبرق أم الشعال وجبال نساح الشمالية ومدافع الترابي وظهر النمش ومن الشرق الدهناء وغرباً جبال طويق وجنوباً البياض وتلال شعاري «ربيع المحسّن» وتبلغ مساحتها عشرة آلاف كيلومتر مربع.
تشمل محافظة الخرج عدداً من القرى والهجر فهي تشمل كلا من السيح واليمامة والسلمية والوسيطى والحريدي والمنيفية والنايفية ومقبولة والعمور والبدع وفرزان والرفاع والرفائع والفيحاء وحلة القطار والبرة والروضة جهة الشمال ومن جهة الشرق السهباء وريع الشديدة والثليماء ومن جهة الغرب الهياتم والضبيعة والحزم والبطينة ونعجان والعين ومن جهة الجنوب الغربي الدلم وتشمل المحمدي زميقة والعذار وماوان والخبي والعقيمي والرغيب وخفس دغرة.
عاشت زرقاء اليمامة المشهورة في كتب التاريخ بحدة بصرها ثم سكنها الحنفيون قبل الإسلام بما يقارب القرنين واتخذوها قاعدة لهم ثم حكمها الحفصيون حتى نهاية العهد العباسي الذي بنهايته استطاع الأخيضرون حكمها إثر الضعف الذي حدث للدولة الإسلامية.
غزا الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود الخرج عام 1189هـ فبايعه أهل الدلم قاعدة الخرج في ذلك الوقت كما قدم أهل اليمامة عام 1190هـ وبايعوا ايضاً. ومنذ ذلك تتابع تاريخ الخرج الذي ارتبط بالاحداث السياسية للحكم السعودي في ادواره المختلفة وتأثرت المنطقة بمجريات الاحداث السياسة والعسكرية والاقتصادية بين مد وجزر.
وبعد استعادة الرياض على يد المغفور له بإذن الله الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه عام 1319هـ قدم أهل الخرج ومعهم أميرهم وبايعوا الملك عبدالعزيز على اسمع والطاعة وأقر إمارتها لاميرها السابق.
انضمت الخرج الى منظومة التوحيد التي انطلق بها الملك عبدالعزيز من الرياض لتكون الخرج أحد ميادين التوحيد وذلك لأنها أصببحت من مصادر التموين للجيش السعودي وطريقاً من طرق التجارة الدولية لنجد من البحرين الى ميناء العقيد في الهفوف ثم نقطة التموين في أبوجفان شرق الخرج ثم بلدة الخرج فالرياض إضافة إلى أنها الحزام الأمني الجنوبي لمدينة الرياض حيث الطريق من جنوب المملكة الى العاصمة الرياض عن طريق وادي الدواسر فالأفلاج في تلك المرحلة.
ويعد نموها وتقدمها اليوم كإحدى حواضر المملكة العربية السعودية امتداداً لمراحل التطور في ظل الحكم السعودي.
معالم سياحية متنوعة
أدت معالم الخرج السياحية دوراً في جعلها ميداناً يرتاده مبتغو الراحة والاستجمام منذ أن بسط الأمن ظلاله على المنطقة، فقصْر الملك عبدالعزيز الذي يقف كأحد المعالم الأثرية فيها هو نواة للسياحة الحديثة في المنطقة وجعل المؤسس طيب الله ثراه من الخرج إحدى مناطق الاستجمام والراحة الشخصية لجلالته فموجوداتها شكلت أرضية مناسبة لم تغب عن ذهنه رحمه الله منذ ذلك التاريخ فأرضها الزراعية الخصبة ومياه عيونها دفعت الدولة الى استغلالها فأنشأت مشاريع جبارة في ذلك الوقت كمشروع الخرج الزراعي في السهباء ومشروع الحكومة في خفس دغره ومجرى مياه فرزان ومنطقة العيون وغيرها من المعالم التي اسهمت في جعلها مؤهلة لذلك الميدان إضافة إلى طبيعتها الجغرافية وقربها من مدينة الرياض وأرضيتها الاجتماعية.
كان سكان العاصمة الرياض يزحفون في وقت الإجازة للاستجمام في الخرج ومع التطور أخذت المشاريع الزراعية الصغيرة تمتد في مناطقها الشاسعة حتى أصبحت مورداً رئيسياً للخرج وملاذاً لمالكيها وقت الراحة والاستجمام.
في العصر الحديث بدأت الخرج تأخذ بمفاهيم السياحة الحديثة فأصبحت أكبر ميدان حيث يلجأ سكان العاصمة أحياناً إلى سوقها وحققت هدف الاستجمام والتسوق خاصة بعد أن أخذت المشاريع فيها والشركات الزراعية تدعم هذا النهج إضافة الى جهود المواطن في المساهمة في هذه المشاريع بضخ الأموال للاستفادة من الاستثمار فيها.
كما أن مشتلها الذي يعد من الأوائل في المملكة دفع الكثير من المواطنين في المنطقة والعاصمة الى التسابق حيث الخضرة والجو إضافة إلى المياه الوفيرة.
آثار تخاطب عقول العلماء
واليوم تغيرت معالم المدن السعودية وأضحى التطور سمتها والنمو ديدنها وكانت المعالم السياحية مستهدفة هي أيضا بالنمو والتطور والمشاريع الزراعية ينكسر البصر عندما يريد معرفة نهايتها، ومشتلها أصبح اليوم جزءاً من المدينة حيث زحفت المباني حوله حتى تحول إلى حديقة صغيرة لتتهيأ منطقة أخرى شرق الدلم لتكون غابة الضاحي التي أخذت شكل حزام أخضر في خاصرة رمالها بديلاً لذلك المشتل القديم فألفت هذه الغابة بين بيئتها الصحراوية والزراعية وأوضحت الغابة معلماً سياحياً خاصة بعد توفر البيئة الرئيسية للانتقال إليها من طريق واسع وبعد مناسب عن المدينة.
أما آثارها فما زالت الرمال تحتفظ بالكثير منها في جوفها منتظرة عقول العلماء وجهد الباحثين لكشفها برفق وخبرة لتكون إضافة لمعالم السياحة في المنطقة والمملكة بوجه عام.
منظومة تعليمية قديماً وحديثاً
ترتبط مظاهر العلم والتعليم بالاستمرار الحضري والأمن وتحظى حواضر التعليم بالاهتمام من قبل الحكم وبالتالي يستقر العلماء وطلاب العلم في تلك الحواضر ومحافظة الخرج قد تهيأت لها عناصر الاستقرار الحضري منذ القدم وقد برز فيها علماء كان لهم الدور الكبير في دعم مظاهر الاستقرار واقتصر التعليم في العهود السابقة على علوم الدين وكانت أساليبه بالرغم من بدايتها تؤدي دوراً كبيرا في الزحف الى المنطقة للاستفادة من علمائها. وقد تطورت أساليب التعليم مضموناً وموضوعاً فإضافة إلى علوم القرآن الكريم والحديث والفقه والقراءة والكتابة كان هناك تعليم الحساب والخط وقواعد اللغة العربية حتى أن المنطقة في وقت متأخر دخلها تعليم اللغة الانجليزية التي يهتم علماء المنطقة بها متقدمة على بعض حواضر نجد في ذلك الوقت.
تقاطر على منطقة الخرج كثير من طلاب العلم من حواضر نجد في ذلك الوقت والحجاز والمنطقة الشرقية بل إن بعض طلاب العلم وفدوا من خارج البلاد على المنطقة للاستفادة من علمائها والتعلم على يدهم من اليمن والعراق حتى أصبحت زوايا التعليم في المنطقة ذات صيت وشهرة وعاد بعض طلاب العلم إلى بلدانهم في الداخل والخارج ينشرون ما تعلموه في بلدانهم وأصبحت الخرج مركزا مهما في التعليم خاصة بعد الاستقرار والأمن الذي شهدته نجد ثم المملكة العربية السعودية.
ومن أبرز من حمل راية التعليم الحديث في منطقة الخرج سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية رحمه الله الذي كان له دور رئيسي في جعل هذه المنطقة مقصد طلاب العلم إضافةالى توليه القضاء فيها لمدة أربعة عشر عاما من عام 1357ه حتى 1371ه.
ونعود مرة أخرى ونقول انه يوجد إلى جانب سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز القاضي والمعلم في وقته وزمانه وقبله عدد من الأسر والمعلمين بالمنطقة يقومون بالتدريس والتعليم للقرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة في بلدان الخرج ومنهم:
في الدلم أسرة آل عتيق (عتيق وعبدالله، عبدالرحمن، محمد) (وأحمد بن عتيق).
ومحمد بن عبدالعزيز الصرامي وزيد بن عيسى الزير ومحمد بن مطلق ومحمد بن أحمد المهيني وسعد بن ناصر المطوع وإبراهيم بن علي بن مبرد وأحمد بن عتيق علي الدريهم وعبدالرحمن علي اليحيى.
تعليم البنات وسنوات طوال
مع منظومة التطور
لم يكن تعليم البنات في محافظة الخرج أقل نصيبا من تعليم البنين فيوجد بيوت تعليم للبنات قديما قبل التعليم النظامي منها في الدلم مدرسة المطاوعة ومدرسة هيا بنت صالح بن عيسى الزير ومدرسة الشيخ صالح بن حسين العلي تشرف عليها بناته معلمات بها ومدرسة آل جلال تعلم فيها شيخة بنت عبدالله البخيتان وبنتها حصة بنت عبدالعزيز بن جلال وقد ختم القرآن فيها أكثر من خمسين بنتاً.
ومدرسة زيدانة تعلم فيها فاطمة بنت حمد بن زيدان وفي العذار مدرسة زينب بنت عبدالعزيز بن دويس وهي المعلمة فيها ومدرسة نورة بنت زيد بن محسن وهي المعلمة. وبعد وفاتها واصلت التدريس بعدها شيخة بنت عبدالله بن علي بن محسن ومدرسة منيرة بنت عثمان بن سعد بن هليل وهي المعلمة ومدرسة شيخة بنت ناصر بن محمد بن شهيل زوجة عبدالرحمن بن هليل وهي المعلمة.
وفي زميقة مدرسة هيا بنت الخرعبي زوجة صالح بن عيسى الزير وهي المعلمة فيها وبنتها منيرة السعيدي زوجة ابراهيم صالح الزير ومدرسة حصة بنت زيد بن محسن زوجة ابراهيم بن صالح بن معيقل وهي المعلمة.
أما في اليمامة فتوجد معلمات للقراءة والكتابة وقراءة القرآن الكريم وهن فاطمة بنت عبدالله محمد الفواز وهيا ابراهيم الشدي ومنيرة محمد الدريهم. أما في السلمية فيوجد من المعلمات فاطمة بنت سعد المتيعب.
تم افتتاح أول مدرسة حكومية بالمنطقة في عام 1362هـ وسميت المدرسة السعودية الابتدائية بالسيح وعين الاستاذ عبدالكريم الجهيمان مديراً لها ودرس بها كل من الاساتذة ابراهيم الجهيمان وسليمان السكيت ومحمد حجازي وعبدالوهاب كلنتن وهي الآن تحمل اسم (مدرسة ثمامة الابتدائية).
الزراعة.. وآفاق النجاح
لقد كانت الخرج أحد مصادر الإنتاج الزراعي لخصوبة أرضها ووفرة مياهها منذ القدم وتتحدث كتب التراث عن أنها كانت أحد موارد الحرمين الشريفين الزراعية وشكل نمط الحيازات الزراعية الصغيرة في منطقة الخرج أسلوبا طبيعياً وذلك لتناسبه مع قدرة السكان وإمكاناتهم ومحدودية عددهم.
أخذ الجانب الزراعي ينمو شيئاً فشيئاً واستمرت أساليب الزراعة القديمة واتسع نطاق الحيازات الصغيرة بالقدر الذي يتناسب مع الوضع الاقتصادي إلا ان الملك عبدالعزيز رأى في هذه المنطقة بيئة مناسبة للاستفادة منها زراعياً فأدخل التقنية الحديثة لها خاصة بعد أن توفرت المصادر المادية فجلبت آلات رفع المياه منذ وقت مبكر ودعم المزارعين فيها وطرح لهم نموذجاً حديثاً للزراعة من خلال مزارع الحكومة ومشروعها الزراعي وأمر بتحسين قنوات المياه الممتدة الى هذه المشروعات ووفر لها الآلات لرفع المياه الحديثة مما دفع أهلها إلى مجاراة هذه الفكرة بدعم الدولة.
|