للتقليد الأعمى مشاكل كثيرة، الإنسان في غنى عنها.. وما زال البعض يقلد.. عندما يريد بعض الإخوان - أصلحهم الله - تشييد منازلهم يبحثون عن مخطط جاهز لتوفير تكاليف التصميم.. وهذا خطأ فادح وكبير يقع فيه الكثير وله عواقب وخيمة يحتاج سردها إلى مقالات كثيرة جداً.. ونظراً لضيق وقت القارئ وعدم حبه لكثرة (البربرة) سأكتفي بعرض إحدى مشكلات نسخ أو تقليد المخططات، وتتعلق هذه المشكلة بموضوع توجيه المبنى وفقاً لحركة الشمس أو وفقاً للاتجاهات (شمال، جنوب، شرق، غرب).
دخلتُ ذات يوم منزل أحد الزملاء - وكان رجلاً كريماً عريض المنكبين - وانزعجت لحرارة وهج الشمس التي هاجتمنا من خلال المسطحات الزجاجية الكبيرة التي تطل على حديقة غربية كئيبة أشهبت الشمس أعشابها.. وأجهزة التكييف لم تعد قادرة لتسيطر على الوضع الحراري داخل الفراغات المعرضة لأشعة الشمس المباشرة والحارة.
كان الجلوس في الفراغ غير مريح، ولم يكن هناك ستائر تسترنا من وهج الشمس، ولم يكن هناك كاسرات شمس تكسرها فتبعد إشعاعاتها الخطيرة والمسرطنة عن عيوننا وبشرتنا... فقلت لزميلي: من هو المعماري الأحمق الذي صمم لك هذا المبنى؟.. فقال متحسراً: رأيت منزل صديقي فلان بن فلان آل فلان وكان به حدائق غناء.. وسرد مأساة معمارية حضارية تتكرر في مبانينا كثيراً.. ومختصر مأساته أنه زار صديقه فأعجبته الحديقة والفراغات المطلة عليها، وأعجبته الإنارة الطبيعية الرائعة التي تدخل فراغات المنزل عن طريق المسطحات الزجاجية الكبيرة..يقول زميلي: وقد طبقت المخطط بحذافيره ولا أدري لماذا لم أوفق؟
وبعد مراجعة المخططات.. اكتشفنا أن توجيه منزل زميله يختلف تماماً عن توجيه منزله.. بمعنى أن المعماري الذي صمم منزل صديقه وضع له حديقة باتجاه الشمال (وشمس الشمال هادئة) ثم رَبَطَ فراغات المبنى بالحديقة عن طريق المسطحات الزجاجية الكبيرة.. وأما المسكين الجاهل (معماريا) الذي طبق المخطط فكان اتجاه أرضه يختلف عن اتجاه أرض صديقه، فأصبحت المسطحات الزجاجية باتجاه الغرب، وشمس الغرب حارة وقاسية يهرب منها الجميع، ويحاول المعماري (الحكيم) تجنب وضع مسطحات زجاجية كبيرة على الواجهات الغربية للمباني الواقعة في مناطق شديدة الحرارة..
لحظة أعزائي القراء من فضلكم فلم تنته القصة المأساوية بعد.. ثم قام زميلي بنزع كافة المسطحات الزجاجية وبنى مكانها جدراناً مصمتة تتخللها نوافذ صغيرة.. وخسر على ذلك أموالاً كثيرة.. وحرم نفسه من الإطلالة على الحديقة.. ولو كان المسكين واعياً لذهب لمكتب هندسي متخصص وترك عنه التقليد الأعمى الذي أتعبنا وشوه مبانينا.. وللتوعية المعمارية حسنات..
|