يعتبر الإعلام من أهم المقومات التي تشكل سلوك وقدرات ومعتقدات أي مجتمع، ويكبر تأثيره بشكل خطير حينما يؤثر على القيم العليا للذات الإنسانية، فيكسبها صفات سلبية ويمنحها (هوية) مشوهة ما هي إلا نتاج هذا التعاطي الإعلامي المشوه..!!
ولا شك أن من أكثر الوسائل الإعلامية تأثيراً على الإنسان في هذا الوقت التلفزيون، الذي يؤثر على الإنسان بدءاً من اكتساب سلوكيات وقدرات جديدة أو تبني معتقدات وقيم راسخة، والتأثير من قبل التلفزيون يصيب جميع الفئات العمرية بداية من سن الطفولة مروراً بالصبا فالمراهقة حتى الكهولة، ولذا أصبح من المهم جداً على القائمين على السياسة الإعلامية في الدول مراجعة ما يبث عبر شاشاتها الصغيرة ويدخل إلى المنازل بحرية وبدون رقيب، ولعل الحال الذي وصل إليه المجتمع الغربي من انحلال وتفسخ أخلاقي وقيمي ما هو إلا نتاج ما تعاطاه واستقبله من الإعلام في السنوات الماضية، ونحن هنا.. في تلفزيوننا المحلي (القناة الأولى) نشعر أننا أفضل من غيرنا بكثير خاصة من يشاهد ويتابع ما تبثه الفضائيات، ولكن هذه الأفضلية لا تعني أننا نبث الصائب والمقبول..!!
ثمة أشياء تتم برمجتها في ذهن المجتمع كفرضيات قابلة للتكرار بمجرد أن يشاهدها أفراده على شاشات التلفاز، وهذه السياسة الإعلامية استغلت في فترة من الزمن في زعزعة قيم وثوابت حينما يتم عرض (حوادث) يرفضها المجتمع.. لكنها تمنح نفسها حق الوجود لأن هناك (من يفعل ذلك!!) فالذات الإنسانية أحياناً تبرر لنفسها الفعل حتى لو كان سلبياً.. لمجرد كونه ليس غريباً وأن هناك من يفعله..!!في قناتنا الأولى.. عُرض مسلسل من المؤلم أنه (محلي)!! مما يجعل ضرره أكبر بكثير، فهو إضافة إلى أنه سيمنح (فرضيات) خاطئة وقاتلة لأفراد المجتمع، سيعمل على نقل صورة مشبوهة لنا عن الآخرين الذين يتابعون هذه الأعمال خارج هذه البلاد، التي تحكم شرع الله ويتميز أفرادها بالالتزام التام بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، فتأتي مثل هذه المسلسلات لتقول للآخر (هكذا نحن..!!) فما كونته في مخيلتي عن غالبية الشعوب إنما كان نتاجاً لمشاهداتي الفنية عنها، وهي بصورة أو أخرى لا بد أن تكون موجودة..!!المسلسل الذي أتحدث عنه هو مسلسل (دمعة عمر) والذي يتحدث عن قصة عقوق كبيرة في حق الأم بطلها شاب غلبه جمال وسحر زوجته في أن يصل في مراحل معينة لأن يمد يده على والدته.. ويرميها على قارعة الطريق..!! لن أتحدث عن الفكرة المهلهلة.. ولا عن السيناريو الضعيف حد السذاجة.. لأن هذا ليس هدفي..!! سأتحدث عن المضمون الذي يحاول المسلسل أن يوصله لنا..!! مضمون عقوق الوالدين.. والذي سيسوغ لآخرين يشاهدونه أن يحاكوا ما فعله البطل.. حتى لو كان نموذجاً سلبياً..!! هذا المسلسل سبقه قبل أشهر مسلسل محلي أذكر أن اسمه (قلوب من ورق) يكاد يسير على ذات نهج هذا العمل لكن الفرق أنه في المسلسل السابق كان المرتكب بحقه العقوق هو الأب.. وهنا هي الأم.. بينما اتفقت كلها لتمنح صورة مشوهة.. لنا كسعوديين، وتؤسس (قاعدة) من الفرضيات السيئة والقاتلة في أذهان المجتمع.المؤلم في الأمر أن المسلسل في حلقاته التي ربما تتجاوز الخمس والعشرين حلقة، يعزف على وتر الألم والمعاناة والعقوق.. ثم يأتي في الحلقة الأخيرة ويستخلص لنا العبرة والعظة بما يلحق الابن من (عقاب) دنيوي.. والذي ربما ينتهي أيضاً أن (يسامح) الأب أو الأم الابن العاق..!! هكذا ببساطة يعمل المسلسل على ترسيخ ما يريده من (قيم سلبية) أهمها (عقوق الوالدين) في ذات المشاهدين.. على مدى أكثر من 98% من مدة العرض.. وفي الأخير يمنح (المتعة) في جانب ضيق جداً..!! وكما أسلفت فإن القائمين على الإعلام سواء في وزارة الإعلام أو في شركات الإنتاج الإعلامي يتحملون مسؤولية كبيرة في (تنقية) القيم أو (تلويثها) لأفراد المجتمع، وما أشاهده عبر شاشتنا الفضية ما هو إلا تلويث متعمق سيترك أثره بلا شك على أفراد المجتمع، الذي لن نجادل كثيراً في أنه تلقى منها الكثير وأثرت عليه فيما مضى من طرح وتناول إعلامي..!!هنا أوجه ندائي لوزارة الإعلام بأن تهتم (أكثر) بهذا الأمر، وليس معنى أن ينتج سعودي عملاً فنياً أن أقوم بعرضه حتى لو كان أكبر من مجرد لحظات المشاهدة التي سنقضيها عنده..!! كما أوجه - رجائي - لمسؤولي شركات الانتاج الإعلامي بأن يراعوا الله في مجتمعهم ويعلموا أنهم إنما (يسممون) أفكار بيئتهم ومجتمعهم.. وأحسب أن الواقع مليء بالقصص والحكايات التي تصلح كمسلسلات، بل إني أراهن أن نجاح أخريات لم يكن إلا لأنها تحاكي الواقع المعاش بالفعل، والمهم أنها لا تهدم..!!
|