تسهم وسائل الإعلام في تكوين وصياغة الرأي العام بصورة وإن حاولت أن تتخذ طابعاً موضوعياً إلا أنها بالتأكيد تتحول إلى توجه قسري يتحكم في مسارات الرأي العام.
وما أريد الإشارة إليه تحديداً هي الصحف، فما نوعية الوعي أو التوجه الذي من الممكن أن تقدمه الصحيفة اليومية؟
فما يحدث عادة هو عبارة عن تيارات موسمية من القضايا تعم الصحف بصورة دورية وعلى الغالب تتم مناقشتها بطريقة مسطحة واستهلاكية وبشكل يكرس المعلومة المستهلكة السائدة في المجتمع بشكل نمطي إلى حد مستفز.
فمثلاً في يوم البيئة العالمي ستكون هناك تغطية سريعة ومبتسرة لهذا اليوم عبارة عن تصريحات سطحية من المهتمين، ومعلومات تجميعية دون أن يكون هناك نسق تخصصي تندرج تحته أو مرجعية علمية عميقة، فهي على الغالب اجتهادات شخصية للمحرر نفسه، ونفض لغبار الأدراج والملفات العتيقة والبحث في دفتر الهاتف عن الشخصيات التي قالت كلاما في هذا الخصوص العام الماضي والذي قبله وهكذا....
إضافة إلى مقابلات مع بعض العامة تلك المقابلات التي تقدم طروحات الشارع البسيطة، وبالتالي تدعم تكريس ما هو قائم بصورة تدعو إلى البؤس، وحصر دور الإعلام في اجترار ما هو مطروح ومكرس ومن ثم يتلاشى دور الإعلام الريادي في التوجيه والتوعية.
ولعل ما أنتج هذه الظاهرة هو الطبيعة الاستهلاكية ليس فقط للمجتمع بل للصحافة نفسها، فعجلاتها التي تدور وتلهث بلا توقف والتي تتطلب مادة يومية تغطي صفحاتها المتكدسة، والمحرر الذي يكون على الغالب محاصرا بالوقت وآلة الطباعة الشرهة، لابد في النهاية أن يقدم مادة تفتقد إلى العمق والكثافة في الوقت نفسه.
ومن هنا تحديدا تغادر وسائل الإعلام أدوارها المفترضة ومهامها المتوخاة كوسيلة تنويرية وتثقفية تسهم في صياغة الرأي العام الشعبي، وتتحول إلى أداة مهمتها تكريس ما هو قائم والترويج له وإعادة استنساخه عشرات المرات بشكل يتقاطع مع الصيرورة الزمنية المتحولة والمتبدلة، ايضاً لا يتواءم مع طبيعة المعلومة العالمية المتغيرة المتبدلة على مدار الساعة.
ومن هنا نلاحظ كيف أن المجتمع يعيد استيلاد عيوبه ونواقصه عبر صفحات الجرائد، فمن التغطيات والتحقيقات السريعة المسلوقة إلى صفحات التعزية التي يُقصَد بها كلُّ شيء سوى التعزية، إضافة إلى صفحات التهنئة التي تأكل معظم صفحات الجريدة في شكل لا يوجد له نظير سوى في صحف دول العالم الثالث.
|