Sunday 17th august,2003 11280العدد الأحد 19 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شدو شدو
في انهيار الحضارات
فارس محمد الغزي

للبدايات علامات وللنهايات مثل ذلك أيضاً، ومثلما ينطبق هذا القول على الأفراد فهو يسري كذلك على الدول والحضارات، غير أن أعراض النهايات في الدول أغمض منها في الأفراد رغم تساوي كفة تواترهما التاريخي أزليا.
هذا وقد بحث المفكرون منذ القدم في أعراض وعوامل انهيار الحضارات، فالعلامة ابن خلدون على سبيل المثال رأى في (مقدمته) أن للدول ما يشبه المقومات العضوية للكائنات الحية بمعنى أنها في ذلك مثل البشر في الولادة والتطور وبلوغ التمام فالنهاية والانقراض، أما العالم الإنجليزي الشهير (أنولد توينبي) فقد ناقش أسباب انهيار الدول من خلال معطيات فرضية (التحدي): فقدر كل حضارة أن تواجه أنواعاً عديدة من التحديات، غير أن مصير هذه الحضارة لا يقرره حجم التحدي بقدر ما تقرره نوعية استجابتها للتحدي ومواجهته له.
فإن فاقت عزائم هذه الحضارة تحدياتها نجحت في اختبار التاريخ، أما في حال ضعفت المواجهة فهذا يعني الرسوب الأبدي لهذه الحضارة في سجل تاريخ الحضارات.
أما العالم الألماني الشهير اشبنجلر (زريق، في معركة الحضارة، ص 64) فقد رأى اشبنجلر ان دورة حياة الحضارة ليست إلا كالفصول الأربعة: ربيع تتوهج فيه، وصيف تنضج فيه وخريف تعقل فيه فشتاء تكون فيه قد استنفدت قدراتها الداخلية مما يجعلها تركز جل جهودها على النواحي المادية عن طريق شن الغزوات الخارجية.
وقد اعتبر العالم اشبنجلر المرحلة الشتوية هذه بداية النهاية والانهيار.
ويبدو هذا العالم محقاً في تعليله الأخير حيث تتفق العديد من النظريات العلمية حول فرضية أن اتساع الدول قد لا يمكنها على ستر رقعتها أو بالأحرى عورتها الجغرافية (اقتصاديا على وجه الخصوص) مما يؤدي في الغالب إلى انهيارها، وخير مثال على ذلك التجربة التاريخية لما كان يعرف سابقا بالاتحاد السوفيتي.
ختاماً: لماذا تصر الحضارات على المضي في السقوط في خنادق الانهيار .. بمعنى آخر لماذا لا تعتبر بعبر ودروس التاريخ؟!... لا مناص فيما لو رمنا الإجابة عن هذا السؤال عن سؤال النملة ذاتها عن السبب فيما تعتقده العامة عنها في أنها إذا اقتربت من النهاية (ريَّشت) .. ويقصدون بذلك أنها تحظى بجناحين وتروم الطيران رغم حقيقة أن قدرها هو الدبيب على الأرض..؟!.. إنه طلسم الإيذان بالرحيل القدر الذي لا مفر منه رغم طلسميته.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved