لم أفهم بصراحة دوافع وبواعث قرار جامعة الدول العربية الذي رفض الاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي العراقي، واعترض على شرعيته، ووقف أمام السماح له بتمثيل العراق في هذه المؤسسة.
أما السبب المعلن: فلأن العراق تحت الاحتلال، في حين برر آخرون قرار الاقصاء هذا بالقول: لأنه لا يمثل العراق تمثيلاً شرعياً وسواء كان السبب هذا أو هو ذاك، فهما مجتمعان أضعف وأوهى من بيت العنكبوت في منطلقاتهما ومضامينهما وموضوعيتهما.
من الناحية القانونية، فإن هذا المجلس الانتقالي يتوافق تماماً مع قرار مجلس الامن رقم 1483 الذي تدعو إحدى مواده إلى قيام إدارة عراقية مؤقتة وصولاً إلى إنشاء حكومة عراقية شرعية وطنية تتولى مهام السلطة في العراق على نحو كامل.
أي أن هذا المجلس ينسجم انسجاماً كاملاً مع قرارات الأمم المتحدة لتهيئة تشكيل حكومة عراقية منتخبة تمثل ديمقراطياً الطيف الاثني والديني والمذهبي العراقي.
أما التبرير الذي يقول إن هذا المجلس لا يمثل العراق ديمقراطياً كما ينبغي، هو في الواقع مضحك بقدر ما هو محزن في الوقت ذاته! فمتى كان نظام الرئيس المخلوع صدام حسين ديمقراطياً أو حتى شرعياً، لتحتضنه الجامعة وتدافع عنه، ويبذل أمينها العام عمرو موسى قصارى جهده لأن يبقى، ويقف معه حتى لحظة سقوط بغداد، رغم انه اقترف من الجرائم والحروب والتعديات في حق شعبه، وفي حق شعوب المنطقة، ما يندى له جبين كل عربي، وكيف حظي ذلك النظام الإجرامي بالقبول والاعتراف من قبل الجامعة العربية طوال مدة حكمه، بينما نجد أن مجلس الحكم الانتقالي العراقي الذي يمثل ولو نسبيا شرائح أكبر من المجتمع العراقي لا يحظى إلا بالصد والممانعة كما قال أحد المراقبين.. أفلا يحق لنا هنا أن نقول إن هذا التبرير هو بمثابة الكيل بمكيالين، الذي ما فتئت جامعتنا الموقرة تنتقده في السياسة الأمريكية في المنطقة، وبالذات فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه الفلسطينيين والإسرائيليين؟ ثم متى كان الوصول إلى كرسي الحكم بالطرق الشرعية، هو شرط ضرورة للانضمام إلى الجامعة، ونحن نعلم يقينا أن ثمة أنظمة عربية قبلتها الجامعة العربية وتمتعت بكامل حقوق العضوية فيها، رغم انها قفزت إلى كرسي الحكم من على ظهر دبابة في ليلة حالكة السواد، ومن خلال الانقلابات العسكرية، رغم أنوف شعوبها؟
أما من الناحية الموضوعية، فإن المجلس الانتقالي الذي يتكون من خمس وعشرين شخصية عراقية يشكلون جزءاً كبيراً من الطيف الشعبي العراقي بأغلب تشكلاته، هو الحل الوحيد والممكن والمتاح للانتقال بالعراق إلى دولة الدستور والمؤسسات المدنية بعد سقوط نظام الطاغية، وليس هناك فيما أرى أي حل آخر لتحقيق هذه الغاية غير هذا المجلس وبالتالي كان من المفروض على ضوء هذه المعطيات أن تتبنى الجامعة المجلس، وترحب به، وتبذل كل جهودها وإمكانياتها من أجل أن ينجح في أداء مهماته، لا أن تقف حجر عثرة أمامه، وكأنها تسعى إلى إفشاله، ليبقى الاحتلال الأجنبي جاثماً على أرض العراق، منذراً بحروب أهلية لن تبقي ولن تذر، بدأت محاذيرها تلوح في الأفق من الآن.
إن مثل هذا القرار التعسفي، والظالم وغير المبرر سيكون له في تقديري تبعات خطيرة ستتخذها أية حكومة عراقية ستنبثق عن هذا المجلس لاسيما ان هناك من يقول إن هذا القرار لم يكن قراراً «مبدئياً» بقدر ما كان موجهاً ضد الولايات المتحدة لإفشال مهمتها في العراق، حتى ولو كان الثمن الذي سيدفعه العراق والعراقيون من أمنهم واستقرارهم باهظاً.
والسؤال: هل ستصمت الحكومة العراقية القادمة عن مثل هذه الممارسة المبررة، أم أنها ستزيد من ضعف الجامعة العربية ووهنها وانعزاليتها، لتكون العراق - ربما- الدولة الثانية التي ستفكر في الانسحاب من الجامعة، لاسيما ان هناك اصواتاً بدأت تتعالى وتتزايد من داخل العراق تطالب بمثل هذه الخطوة.
هذا ما يبدو أنه غاب عن نقاش هذا القرار في أروقة الجامعة قبل أن يتخذه المؤتمرون.
|