ان الحياة اذا خلت من هدف نبيل صارت حياة بلا معنى، فلكي يكون لحياتنا معنى علينا ان نحدد اهدافنا:
أولاً: هدف خاص، فلا تثريب عليك فيه ولا عيب، بل الشريعة جاءت لتحقيق هذا الهدف، كالتفوق في الدراسة او في العمل او في الرزق او في الزواج او في المصالح المباحة من مصالح الدنيا، وهذا الخير الذي يتحقق لك شخصياً هو في النهاية خير للامة كلها فالامة مجموعة افراد، والعاقل اذا وجد الحلال لم يلجأ الى الحرام، والامة مجموعة نجاحات أنت أحد تجلياتها ومظاهرها.
الكثيرون والكثيرات من الناس يسألون عن دورهم في الازمات والمواقف وفي الملمات، مع انه يجب ان يكون دورنا ليس مجرد رد فعل لما يقع، وان كان رد الفعل المتزن المدروس مطلوباً ولا بد منه، ولكن نطمع ان يكون دورنا ديمومة واستمراراً ونضجاً، وان كان بطيئاً على حد المثل المغربي الذي يقول: بطيء ولكنه فعَّال.
والحذر.. الحذر من ان يكون احدنا كثير الجلبة والضجيج كما العربة الفارغة.
ثانياً: هدف عام لخدمة الامة، والدفاع عن قضاياها، ومتابعة احداثها، والتألم لألمها والكلمة الطيبة صدقة، والموقف النبيل، والمساندة والمساعدة، والدعم بالمال، والدعم بالنصيحة والرأي، مما يجب للمسلم على اخيه المسلم حتى لو كان اخوه مفرطاً او مقصراً عرفه او لم يعرفه، ولا يلزم ان تكون هذه المواقف النبيلة التي نحن مطالبون بأدائها من قضايا امتنا من العراق او فلسطين او اي مكان من الارض، لا يلزم ان تكون هذه المواقف رفعاً نهائياً لمعاناة الامة، فهذا ما لايقدر عليه الا الله عز وجل، لكن يجب ان نقنع انفسنا بأننا نستطيع ان نصنع شيئاً، ودعنا نورث لأولادنا واحفادنا من بعدنا بداية جيدة تمكنهم من مواصلة البناء عليها.
ثالثاً.. العمل:
وقد جمع الله تبارك وتعالى أصول العمل ونهاية الكمال العلمي والعملي اللازم للشخص والمتعدي للآخرين في أربع خصال:
** الايمان.
** العمل الصالح.
** التواصي بالحق.
** التواصي بالصبر.
أولاً: «الإيمان بكل ما يجب الايمان به، يقول الله جل وعلا {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)}.
فإن هذا الايمان الذي يعتمل في قلب الانسان هو شرط النجاة، فإن الجنة لا يدخلها الا نفس مؤمنة، والايمان يأتي في القرآن غالباً بصيغة الجمع يقول تعالى {الذٌينّ آمّنٍوا وّكّانٍوا يّتَّقٍونّ}، {إلاَّ الّذٌينّ آمّنٍوا }، { إلاَّ مّنً آمّنّ وّعّمٌلّ صّالٌحْا }، اشارة الى روح الجماعة والفريق والتخلص من الانانيات، ومن الدوران حول الذات والمصالح الشخصية، فإن كثيراً من الامم ومن اهل الكفر الذين لا يؤمنون بالله، عندهم قدر كبير من الاحساس باهمية الاجتماع فنجد دولة كالصين منذ اكثر من خمسة الاف سنة هي دولة واحدة فحسب، بينما تجد عند المسلمين ولعاً ورغبة بالاختلاف والتفوق والتشرذم حتى انك تتخيل ان التمزق جزء من طبيعتنا، لو لم نجده لاخترعناه، وهذا ولد ضعف الايمان وضياع الجهود، وصنع الشقاء في حياتنا، والقسوة في قلوبنا والعنف في لغتنا، بينما الدين جاء رحمة حتى للبهائم والطيور والجمادات، ورحمة للعالمين فضلاً عن المسلمين.
ثانياً: العمل الصالح، فهو قرين الايمان في كتاب الله عز وجل، بل هو منه فالايمان قول وعمل كما هو مذهب السلف والائمة، قال الحسن رحمه الله: ليس الايمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقة العمل، انظر مصنف ابن ابي شيبة «35211» وشعب الايمان للبيهقي«65».
فالعمل يكون بالقلب واللسان والجوارح، العمل يكون عبادة ويكون خلقاً، ويكون اعانة للناس في مصالحهم الدنيوية، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم «في بضع احدكم صدقة» اخرجه مسلم «1006» من حديث ابي ذر رضي الله عنه ، وقال عليه الصلاة والسلام «حتى اللقمة تجعلها في فيَّ امرأتك»، اخرجه البخاري ومسلم من حديث سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه .
ثالثاً: التواصي بالحق: والتواصي يدل على الرحمة ويدل على الشفقة، فأنت امام شخص يحبك ويرحمك ويوصيك، وايضاً انت تحبه وترحمه فتوصيه، فالحاكم والمحكوم، والعالم والمتعلم، والوالد والولد،و الشاب والشيخ، والرجل والمرأة، هذا معنى قوله تعالى {تواصوا}، ليس هناك جهة معينة محددة توصي والباقون يستمعون وينفذون، بل كل احد من اهل لا اله الا الله هو موص وموصى، ومعلم ومتعلم، وآمر ومأمور، وناصح ومنصوح، ولهذا لم يقل «أوصوا» بل قال {تواصوا}، فهي مهمة يشترك فيها الجميع، ومن هنا نرفض مصطلح «رجال الدين» بالمفهوم الكنسي الذي يفترض ان ثمة فئة من الناس لديها تفويض رباني في فهم الكتاب المقدس وفي الامر به.. كلا.. ولكن لدينا متخصصون لهم اعتبار، فهم يعرفون النصوص، ويمحصون صحيحها من ضعيفها ويعرفون ناسخها من منسوخها، ويجمعون بين ماهو ظاهر التعارض فيها، ولكن لا عصمة لاحادهم.. انما العصمة لما اجمعوا عليه واما ما اختلفوا فيه فاختلافهم رحمة، واتفاقهم حجة.
وكتب فيها كثير من العلماء من المتقدمين والمتأخرين كتباً معروفة.
وجاءت وصايا النبي صلى الله عليه وسلم كالوصية بالنساء، والوصية بالصلاة، والوصية بالحزم.. الى غير ذلك.
ان المسؤولية لاتخص اباً ولا حاكماً ولا عالماً، بل الآيمة الكريمة تؤسس لقيام المسلم او المسلمة بالدور المنشود في الاصلاح، في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وان نقول جميعاً للمحسن: أحسنت، وان نقول جميعاً للمسيء: أسأت، كما قال عمر رضي الله عنه: لا خير فيكم ان لم تقولوها ولا خير فينا ان لم نسمعها.
ولم يصل المسلمون الى الهوة التي يعيشونها اليوم من انحدار وتراكم الاخطاء والسلبيات وعدم وجود العمل الجاد الصادق للتصحيح الا لما قال قائلهم: لا يقول لي احد منكم اتق الله الا علوت رأسه بالسيف {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) } .
لكنها الكلمة المنبعثة من الرحمة والصدق والاشفاق.. ليست تشهيراً ولا تشفياً ولا معارضة لذات المعارضة ولا لاعتبارات شخصية، بل سهراً على مصالح الامة وحفاظاً على ثغورها، ورعاية لحاضرها، وتخطيطاً لمستقبلها وتعاوناً على البر والتقوى، {وّتّوّاصّوًا بٌالًحّقٌَ وّتّوّاصّوًا بٌالصَّبًرٌ} وهنا تبرز اهمية الحوار داخل المجتمع الاسلامي لإنضاج الرأي وتجنب الانشقاق.
والتواصي انما يكون بالحق، فالذي تراه انت ليس بالضرورة ان يكون هو الحق، وانما الحق الذي نطق به القرآن الكريم او صرح به النبي العظيم عليه الصلاة والسلام او اجمعت عليه الامة اما الرأي الذي تراه فقصاره ان يكون صواباً يحتمل الخطأ، ويمكن ان يكون خطأ يحتمل الصواب، فليس احد يملك الحق، او يجزم به او يخوّل ان يكون لديه الكلمة الاخيرة او المقالة المطلقة.
رابعاً: التواصي بالصبر: وهو مطية لا تكبو.. كما قال علي رضي الله عنه، وهو من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، فمن لا صبر له فلا ايمان له، الايمان يحتاج الى صبر، والعمل الصالح يحتاجه، والحق والدعوة تحتاجه، والصبر ايضاً يحتاج الى صبر.
سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري
سأصبر حتى يحكم الله في امري
سأصبر حتى يعلم الصبر انني
صبرت على شيء امر من الصبر
والدين يحتاجه والدنيا تحتاجه، الصبر هو اساس الفضائل ورأس الاخلاق، به تصفو الحياة وطيب العيش، قال عمر رضي الله عنه: وجدنا خير عيشنا بالصبر.
وكان محمد بن شبرمة اذا نزل به بلاء تلفت يميناً وشمالاً ثم قال: سحابة صيف عن قليل تقشعُّ.
وقال سفيان في تفسير قوله تعالى {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ)} قال: لما اخذوا برأس الامر صاروا رؤوساً.
فالصبر يحافظ على الاعتدال في شخصية الانسان وفي رأيه وفي علمه وعمله وفي دعوته وفي دنياه وفي آخره.
ايتها المرأة الشاكية من صلف زوجها وسوء حالها وشراسة خلقه وقلة اهتمامه..
ايها المريض الذي تحير فيه الاطباء..
ايها المدين الذي اثقلت كاهله المطالب...
ايها المهموم الذي باكره الهم وغابت البسمة عن شفتيه، وعاجله الحزن قبل الاوان..
علاجكم الناجع هو الصبر، فهو علاج الحالات المستعصية الذي ينتظر فيها فرج الله تبارك وتعالى.
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبد الالم
لك الحمد، ان الرزايا عطاء
وان المصيبات بعض الكرم
ألم تعطني انت هذا الصباح؟
واعطيتني انت هذا السحر؟
فهل تشكر الارض قطر المطر
وتجزع ان لم يجدها الغمام؟
كتب اليّ احد الاخوة قصته مع الفقر والدين والجوع، وقال في آخر المطاف: هممت ان اكتب قصيدة التمس فيها المعونة من تاجر او امير او وزير، فاذا بهاتف في اعماقي يقول: هؤلاء هم الآخرون مخلوقون مثلنا وفقراء الى الله تعالى، فقدرت ان انظم قصيدة فيمن خلقني وخلقهم، وكتبت القصيدة.
وكانت هذه نهاية المعاناة مع الفراغ والبطالة والدين خلال شهور.
|