يسترعي انتباهي عادة اجتماع معالي وزير الإعلام مع رؤساء تحرير الصحف والمجلات السعودية.. وعادة ما أتوق إلى معرفة الملخص الصحافي الذي يظهر بعد مثل هذه الاجتماعات علني كقارئ وكمتخصص أتعرف على مستجدات الرأي الرسمي تجاه الإعلام.. وأحياناً أتطفل لأسأل بعض الزملاء رؤساء التحرير إذا اجتمعت مع أحدهم لمعرفة ما هو الجديد في سياساتنا الإعلامية خلال الشهر القادم، بحكم ان هذه الاجتماعات تعقد تقريباً بصفة منتظمة كل شهر.. ولا أجد إجابات واضحة أحياناً.. ولكن في معظم الحالات يكون التوجيه عادة بالتوقف عن تناول موضوع معين، أو التوجه لإبراز قضية أو موضوع بطريقة معينة.. وأحياناً يكشف وزير الإعلام بعض الخفايا والتوضيحات تجاه بعض المسائل الوطنية أو الدولية لتبصرة رؤساء التحرير بكيفية إدارة الشأن الصحافي.. ومن المعروف كذلك ان الاتصال بين وزارة الإعلام والصحف والمجلات لا يتوقف فقط عند اللقاء الرسمي الذي يتم في مثل هذه الاجتماعات، ولكن هناك آليات مستمرة في تلقي الصحف والمجلات توجيهات من قبل وزارة الإعلام، سواء كانت مكتوبة أو شفهية.. وربما تكون هذه التوجيهات عامة لكل الصحف أو تكون خاصة بصحيفة أو مجلة دون أخرى..
وأحياناً أسأل هل مثل هذه التوجيهات والاتصالات يعدها الصحافيون والإعلاميون تدخلاً في شؤونهم الصحافية؟ وهل يرون ان هذه التوجيهات المستمرة في شكلها العام ايجابية أو سلبية؟ ثم ما مدى النظرة إلى كون هذه التوجيهات والتعليمات تعد بشكل عام تدخلاً في حرية الصحافة بشكل خاص؟ والإعلام بشكل عام؟
ولأهمية مثل هذه المسألة؟ أود المساهمة في تناولها من عدة زوايا على النحو التالي:
1 ان هذه الاجتماعات تعقد علناً وفي «النور» وليست اجتماعات سرية كما هي الحالة في بعض الدول الشمولية.. حيث يتم عقد اجتماعات من قِبل مسؤولي الأحزاب والحكومات بصفة سرية مع مندوبي الصحافة والإعلام وتوجيههم إلى نقلات معينة في فكر وسلوكيات الإعلام..
2 من المفترض والمتوقع ان يتم في مثل هذه الاجتماعات تبادل الآراء وبلورة الاتجاهات حول بعض القضايا والمسائل التي يتم تداولها، وليس عبارة عن مجرد إصدار تعليمات بفعل كذا، أو التوقف عن نشر كذا من الموضوعات.. وعندما يتم مثل هذا النوع من المناقشة الواعية، يمكن ان تظهر آراء ومواقف واتجاهات مناسبة لكيفية معالجة الأمور وإدارتها بشكل مناسب للظرف الوطني أو المستجدات الدولية..
3 نلاحظ وبالذات نحن معشر الكتاب ان هناك تغييراً في السياسة الإعلامية طرأت بين يوم وليلة، وجاء ذلك نتيجة توجيه مباشر وسريع على مجريات النشر في موضوع معين..، ولا شك ان هذا التغيير الفجائي ينعكس سلباً على الشخصية الصحافية السعودية.. فالتأرجح بين موقف وموقف مناقض، واتجاه وآخر، وحضور وغياب.. كلها تؤثر على الشخصية الصحافية.. وتعطي انطباعاً ان المؤسسات الصحافية وبطبيعة الحال الإعلامية في المملكة تتحرك بريموت كونترول.. أو هكذا يبدو للآخرين من الخارج.. وفي مثل هذه الحالات التي نشهد فيها تغييراً في السياسة الإجرائية الإعلامية يمكن ان تحدث ولكن بصفة تدرجية وبطريقة أكثر «ذكاءً» وبشكل يبدو طبيعياً.. ونحن نعرف أحياناً ان بعض التوجيهات تأتي فجأة مما يضطر رئيس التحرير ان يلغي مقالاً في عدد اليوم أو حتى في أحيان معينة عندما يأتي التوجيه متأخراً يضطر رئيس التحرير ان ينتزع مقالاً أو موضوعاً من الطبعة الثانية، لأن الطبعة الأولى قد وزعت.. ولا تحتمل وزارة الإعلام أحياناً مثل هذا التأخير في مواكبة التوجيه الجديد.. وكأن نشر مقال أو خبر سيقيم الدنيا ولا يقعدها..
4 في ظل الظرف الحالي الذي نعيشه هذه الأيام والمتمثل في فتح الدولة لمبدأ أن يكون بيننا وفي بلادنا حوار وطني تكفل الدولة فيه الحرية لتداول عقلاني للقضايا التي كانت غير مقبولة اجتماعياً أو إعلامياً فيما مضى، ولكنها باتت اليوم من القضايا التي يسمح بمناقشتها وتداولها، على الأقل من خلال مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني.. فمن المفترض ان يمتد هذا الحوار إلى وسائل الإعلام السعودية وفق الضوابط والمحددات التي تحكم قواعد مناقشتها عبر المؤسسات الوطنية.. وهذا ما أشرت إليه في مقال الأسبوع الماضي.. وحالما يتم تقبل هذا التفويض الحواري من مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني إلى وسائل إعلامنا المقروءة والمسموعة والمرئية نكون قد انتقلنا فعلاً إلى حالة إعلامية جديدة وتبنينا خطاباً إعلامياً جديداً.. وعندها ستكون المساحة التي يسبح فيها الإعلاميون السعوديون أوسع وهامشها أشمل، مما يريح وزارة الإعلام كثيراً من تداخلاتها واتصالاتها الرسمية مع المؤسسات الإعلامية..
وختاماً، ففي نظري الشخصي انه في الظرف الحالي فإن هذه الاجتماعات الدورية في أروقة وزارة الإعلام هي مهمة وبناءة إذا قصد منها تنوير القيادات الإعلامية بمستجدات المواقف الرسمية، التي عادة يحتاجها هؤلاء الإعلاميون في رسم سياسات تحريرية لصحفهم ومجلاتهم.. ومثل هذه الاجتماعات تمثل تلخيصاً مثل الذي يحدث في مؤسسات سياسية وعسكرية أمريكية أو أوروبية مع مندوبي وسائل الإعلام العالمية، ولكن الفرق ان تلك الملخصات تكون مفتوحة في حين هذه الملخصات هي مغلقة وغير مفتوحة لمندوبي وسائل الإعلام..
ولكن في نظري الشخصي انه يمكن تطوير عقد هذه الاجتماعات ووضع آليات جديدة لها بما يتناسب مع متغيرات الظرف الوطني ومستجدات الحالة الدولية للإعلام الاقليمي والعالمي..
وفي مثل هذه الحالة لن أتطفل بعد اليوم على زملائي رؤساء تحرير الصحف لمعرفة ما دار أو يدور حول سياسة صحافية طارئة، لأن الإطار العام لمشروع النشر اتسع ليشمل الكثير من «البينيات الصحافية» بين بين من تلك الموضوعات التي تقف في حيرة بين نشرها وربما يتبعها مساءلة وزارة الإعلام وبين عدم نشرها والتحسر لاحقاً على فقدان ريادة الصحيفة في نشر الموضوع وأسبقية طرحه..
(*) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال /أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود الرياض
|