المستقبل للإرهاب شعار غير معلن، تمارسه أيد خفية، ووجوه مقنعة، تتخذ وبحكم القوة غطاء من الهيئة الدولية. يمارس أمام مرأى ومسمع من المجتمعات والمنظمات بمختلف شرائحها، لكنها لا تستطيع أن تنبس به، او تصخي لمنتقده. تحاول ان تسمي ممارساته بغير اسمه، وتعزوه لغير مصدره، وتلتمس او تهيئ لصقوره جوا حرا، ومخرجا سياسياً، وشرعة دولية حتى لا تصنفها هذه الصقور في المعسكر الداعم للارهاب، او الساكت عليه،فتجر عليها وعلى شعوبها ويلات الحروب ومآسيها، في زمن لا تمتلك فيه الدول المسالمة أسباب القوة المادية والمعنوية.
كثير من المفكرين لا ينكرون ما ساء من أحوال إنسان هذا العصر، شاهدهم في ذلك ما يرونه من انحراف في قيمه، وفساد في خلقه، وتطرف في دينه، وازدواج في شخصيته، واضطراب في عواطفه، وكلها مؤشرات تشي عن أن القوى المعنوية الخيرة الكامنة في الإنسان قد ضعفت أمام طواحين الحرب، واضمحلت أمام ألاعيب السياسة، وتأخرت أمام ثورة العلم، ووهنت أمام دقة الاكتشافات.
ومع هذه الصورة القاتمة للإنسان عامة، وصناع القرار السياسي خاصة، إلا أن الكثير يعتقد أن مبدأ السمو في الحياة لا يزال حياً، وإن كان لا يبدو فيه حراكاً، وعما قريب ستنحسر حالات اليأس والقنوط، والانهزامية والإحباط التي أفرزتها العقلية المتشائمة التي ظلت أسيرة لغيرها، فأسلمت العنان لفرسان السياسة وخبراء الاقتصاد.
هذا التصور رسخه فيما يبدو اعتقاد سائد ان المدينة في عالم اليوم شاخت ودنا أجلها، بل وسارع في زوالها التيار العلمي، باكتشافاته المذهلة، واختراعاته المروعة غير المسبوقة في تاريخ الإنسان، حتى وقر في أذهاننا أن في امتلاك الماديات ضمان لمستقبل امبراطوريات عظيمة، مترامية الأطراف، مرتفعة الرايات، ضاربة القوات، وان دولاً صغيرة الحجم، ضعيفة القوميات، متواضعة الامكانات ستفقد استقلالها، وستتوارى شيئاً فشيئاً أمام مشروع العولمة الغربية، بمظاهره السياسية، وتنظيراته الثقافية، وأبعاده الاقتصادية، وتكتلاته العسكرية.
عما قريب ثمة دول آتية، سيحبل بها الفجر، ويلدها النور للعالم، من بينها هذه الدولة المباركة التي تتغذى على الخلق والدين، إذ لا أثرة فيها لغير الحق، ولا سيادة لغير الأمانة، ولا أهداف غير الوعي، ولا مطلب غير السلام. دولة كبيرة بعدلها، شامخة بنزاهة ولاتها، قوية بصلاح شعبها، عزيزة بسلامة معتقداتها، راسخة بصلابة منطلقاتها. دولة لا تستمد قوتها من الصحب أو المنصب والثروة وحسب، بل تستمدها من القوة الالهية، والإرادة الإنسانية التي تستغني عن كل قوى المجتمع الدولي. قوة تنطلق من ذات الإنسان التي تتعاظم كلما كبر قصده، وعظمت همته، وسمت إرادته، استقل تفكيره، وتنسم حريته.
|