|
|
إنها صورة من صور العطاء، والتلاحم، والبر، والإحسان تقدم الابن قائلاً: إن والدتي مريضة، وأنا شاب أعزب، ولكني قادر على رعايتها.. أريدها أن تكون عندي، وهذه أختي منعت ذلك مني، وباستجواب المرأة قالت: نعم هي أمي، وأنا متزوجة، وزوجي لا يمانع أن أخدمها، وأمي تعاني من مرض كبير، وقد رفضتها المستشفيات لأنه لا علاج لها، وهي تنتظر - رحمة الله - وفرجه، وأنا أقبلها على فراشها، وأعالجها، واتعورها، وأنظفها، وأطيبها، وأكرمها وهو يأتي ليسلم عليها، ويراها، ثم سأل القاضي الطرفين هل أمكمها في شعورها ووعيها، وإدراكها، وتحسن الكلام، والاختيار، فقالا: لا هي لا تعرف ما حولها، ولكن برنا بها عبادة، وكلنا يسابق الآخر نحوها، قال القاضي للشاب: كيف تصنع إذا احتاجت أمك لخدمة فأنت لا تستطيع أن تتعورها؟ قال: سآتي لها بامرأتين تخدمانها فقال القاضي: تلك إحدى الكبر، إمرأتين في بيتك، وأنت أعزب ماذا سينجم عن ذلك من خلوه، وفساد عظيم، أو تمنعك أختك أن تصل أمك؟ قال: لا، هي تفتح بابها متى أتيت في كل وقت، قال القاضي للأخت: أيجد زوجك مشقة وأذى؟ قالت: لا، فقال: أو تأذنين لأخيك أن ينفق من ماله على أمه وعليك مقابل رعايتها، قالت: كلا، أما علي وعلى أمي فلا حاجة لأني بخير وزوجي بخير ولا يقصر، وأما ما يريد أن يعطيه أمي فيمكن أن يتصدق به في بناء مساجد، أو نحوها فأكبر القاضي فيهما هذا النزاع الغريب، ودعا لهما بالتوفيق، وقضى أن تبقى الأم مع ابنتها فهي أولى بها براً، وخدمة، واحتياجاً، ونصح الابن بأن يكرمها بكثرة الصدقات فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المؤمن في ظل صدقته يوم القيامة)، وقال: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)، والصدقة من أعظم البر لما رواه مسلم، أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من إحدى ثلاث؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). فالصدقة من أعظم ما ينفع الله به، وخرجا والابن تغرورق عيناه بالدموع لأنه يريد أن ينافس في ميدان البر والإحسان والصلة، فهل يعقل أولئك العاقون الذين لا يزورون أمهاتهم إلا لماما، وهل يعقل أولئك العاقون الذين يستأذنون زوجاتهم في زيارتهم لأمهم، أو زيارة أمهم إليهم، وليعقل أولئك العاقون الذين يدعون أمهاتهم في مفترق الطرق بدور العجزة، أو نحوها ويهربون عنهن. إنه لعقوق تهتز لهوله الوجدان، نسأل الله السلامة، وإن هذه الصورة لهي الصورة الغالبة على مجتمعنا المؤمن المتمسك بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي يُحكّم شريعة الله في نفسه، وفي عزه وأمته، وبالله التوفيق. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |