Friday 15th august,2003 11278العدد الجمعة 17 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مؤكداً محافظة الإسلام على الطهر مؤكداً محافظة الإسلام على الطهر
د. الزنيدي:باب التطهير مفتوح أمام المسلم ليعود نقياً بريئاً بالتوبة
طهّر الإسلام عقل المسلم وقلبه من أوهام الفلسفات وأساطير الديانات الخرافية

* إعداد : يوسف بن ناصر البواردي (*)
تظل هناك مواقف كثيرة في حياة المسلم تتطلب منه الوقوف عندها، أبرزها لماذا ظل نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم في الجاهلية قبل بعثته طاهراً من أرجاس الجاهلية، وكان محفوظاً من هذه النجاسات؟! ألم يكن بإمكانه عليه الصلاة والسلام أن يحتسي ويتنجس بالخمور وغيرها من الخبائث والمغريات؟ ألم يكن بمقدوره أن يمارس ما كان يمارسه البعض في الجاهلية؟!
إن هذا الحفظ من الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم في الجاهلية يعطينا دلالة ويبين للبشرية أن هذا النبي المجتبى لم ولن يصل به الانحدار إلى أن يمارس هذه النجاسات التي لا تليق به عليه الصلاة والسلام، فهو الصادق الأمين صاحب الخلق الرفيع المبرأ من كل عيب، ولكي نأخذ من ذلك أن هذه الأخلاقيات التي كانت في الجاهلية ليست من أخلاقه عليه الصلاة والسلام فأخلاقه قد اتفقت مع فطرته السوية النقية «الحنيفية السمحة»، وأما ما سواها من تلك الأخلاقيات فقد كافحها بعد بعثته وبين أخطارها ونبه إلى أساليب الطهر والنقاء، كما أشار القرآن إلى ذلك بقوله تعالى:{ ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب:33) }.
ومن هذا المنطلق تحدث فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن زيد الزنيدي الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الإمام حول هذا المعنى في محاضرة قيمة حيث أشار فضيلته للطهر في الإسلام مبيناً أن الله جل وعلا خلق الإنسان في أحسن تقويم طاهراً من الذنوب والأوضار، مهيأ لأن يظل قويماً طاهراً في انسانيته، ولكن هذا الانسان بما منحه الله من حرية - اختيارية - وبما يحيط به من مؤثرات، ومحدودية قدرته، قد ينحدر عن هذا المقام الإنساني الرفيع، فيرتد نحو البهيمية أسفل سافلين، ولهذا امتن عليه خالقه بأن أمده بمنهج يحقق له الاستقامة على انسانيته، ويصونه من الانحدار نحو المواقع الوبيئة، هذا المنهج الذي لا يمكن للإنسان - فرداً أو جماعة - أن يحتفظ بمقامه العلي القويم إلا به هو دين الإسلام، الذي بعث الله به رسوله، وأمر به خلقه، وأكمله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم عقيدة وشريعة، متضمنين في القرآن الكريم والسنة المطهرة، حيث رضيه الله تعالى لعباده ديناً إلى قيام الساعة مؤكداً فضيلته أنه لا يمكن أن يتحقق للإنسانية طهرها إلا بهذا الدين.
وبين الشيخ الزنيدي أن الطهارة نوعان: حسية، ومعنوية، ولكل منها أساسه الذي أمد الله به الانسان، فقد أمد الله سبحانه الإنسان بالطيبات التي تقوم عليها حياته المادية، أمده بالماء الطاهر المطهر. فقال سبحانه:{ )وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وّأّنزّلًنّا مٌنّ السَّمّاءٌ مّاءْ طّهٍورْا} كما أمده بطيبات النبات والحيوان ليأكل منها، ويتخذ ملبساً ومسكناً ومركباً، حيث قال سبحانه: {وّحّمّلًنّاهٍمً فٌي البرٌَ وّالًبّحًرٌ وّرّزّقًنّاهٍم مٌَنّ الطَّيٌَبّاتٌ} وقال:{وّصّوَّرّكٍمً فّأّحًسّنّ صٍوّرّكٍمً وّرّزّقّكٍم مٌَنّ الطَّيٌَبّاتٌ} وقال تعالى {يّا أّّيٍَهّا پنَّاسٍ كٍلٍوا مٌمَّا فٌي الأّّرًضٌ حّلالاْ طّيٌَبْا} مشيراً كذلك فضيلته بأنه سبحانه أمد الإنسان بمَلَكَة داخلية تتلألأ طهارة وصفاء وخيراً، وهي الفطرة التي يخلق الله عليها كل بني آدم، حيث يولدون أسوياء الفطرة، أنقياء السرائر، غير متلبسين بأي لوثة من مدنسات العقيدة أو الأخلاق، حتى يكون المجتمع المحيط بهذا الإنسان هو الذي يلوثه بذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه»، هذا بالنسبة للأساس الذي تقوم عليه الطهارة الانسانية في نوعيها المادي والمعنوي، مؤكداً فضيلته أن الإسلام بتعاليمه في الكتاب والسنة يحقق للإنسان التطهر الفعلي من خلال المنهج الذي رسمه له، كي يستثمر تلك الأسس المادية والمعنوية الاستثمار الصحيح الذي يظل به الانسان زكياً طيباً طاهراً، وبالتالي تصبح به الحياة نظيفة سامية خيرة.
إن المؤمن لا ينجس
ويستطرد فضيلته في حديثه ليدلف على مجالات الطهر في الإسلام موضحاً أن الطهر الإسلامي يستوعب كل جوانب الوجود الإنساني فرداً أو جماعة، بحيث تتمحص الحياة الانسانية في رحاب الإسلام من شوائب القذر في كل المجالات، مستهلاً فضيلته أولى هذه المجالات، بالتصور حيث ان الإيمان يطهر عقل المسلم وقلبه من أوهام الفلسفات وأساطير الديانات الخرافية، ويحليه بالهدى والحق، تاركاً الرافضين له في ظنونهم وأهوائهم {إن يّتَّبٌعٍونّ إلاَّ الظَّنَّ وّمّا تّهًوّى الأّنفٍسٍ وّلّقّدً جّاءّهٍم مٌَن رَّبٌَهٌمٍ الهٍدّى"} . كما يطهره من الدنس الكبير «الشرك» لأن الشرك نجاسة، والمشرك نجس كما قال سبحانه:{إنَّمّا پًمٍشًرٌكٍونّ نّجّسِ} والإيمان بالله وتوحيده سبحانه هو الطهر المقابل، والمؤمن يعد بإيمانه طاهراً ولو تعرض لبعض النجاسات المادية العرضية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة حينما تصور أن جنابته قد انتقلت به إلى أن أصبح نجساً: «إن المؤمن لا ينجس» وكما بنى «الإسلام» للإنسان إيمانه فإنه حمى هذا البناء من الشوائب التي يمكن أن تتسرب إليه فتشوه وجهه، وتفسد طهارته من الشركيات والبدع، كالغلو في الأنبياء والصالحين، والحلف بغير الله، والتحاكم لغير شرعه. وفي مجال العبادة فقد شرط لها شروطاً تحقق نقاءها وطهرها، بأن تقوم على إيمان صادق بالله، وأن تجري وفق ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يخلص فيها لله مطهراً وجهته من أن تنحرف لغير الله معه، أو من دونه، قال سبحانه: {فّادًعٍوا الله مٍخًلٌصٌينّ لّهٍ الدَينّ } ، كما شرع للصلاة - وهي العبادة العظمى - الطهارة الحسية بأن يغسل مريد الصلاة أعضاءه، وأن يكون طاهر البدن والثوب والمصلى، ومثلها الطواف بالكعبة وقراءة القرآن.
مكارم الأخلاق
والوعيد الشديد على من قارفها، قال تعالى { (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) } وقال: «الظلم ظلمات يوم القيامة» وقال أيضاً «وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار» فإذا استزل الشيطان المسلم فوقع في حمأة الرذيلة، وتلطخ بأوضار المعصية، فإن باب التطهير مفتوح أمامه ليعود نقياً بريئاً بالتوبة إلى الله والاستغفار من ذنبه، والندم على تفريطه، منبهاً فضيلته كذلك إلى أن الله جل وعلا قد شرع الحدود والتعازير التي تقام على الوالغين في الرذيلة من المسلمين لتطهرهم من أدرانها، فقد روى البخاري في حديث المبايعة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبايعهم: «على أن لا يشركوا بالله شيئاً ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ولا يعصونه في معروف» ثم يقول صلى الله عليه وسلم «فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فأخذ به في الدنيا فهو كفارة وطهور، ومن ستره الله فذلك إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له»، مشيراً فضيلته أن ما يصيب الإنسان من أذى وأمراض ونقص في الأموال والأنفس، وإنما هي - لمن احتسب - ممحصات للأقذار الخلقية التي يقارفها ليلاً ونهاراً حتى يستعيد طهره ونقاءه. ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل على المريض يعوده يقول «لا بأس طهور إن شاء الله».
تطهرهم وتزكيهم بها
وأما الشؤون المالية فيؤكد الزنيدي أنه قد توافرت التوجيهات الشرعية القاضية بأن تكون حركة المسلم الاقتصادية موارد ومصارف طاهرة من كل أوشاب الظلم والغش والتدليس والتزوير والاختلاس ونحوها من صور الفساد التي حذر الله منها عباده وبين أن المقارفين لها إنما بنوا أجسامهم وأجسام أهليهم بالخبائث التي تبعدهم من الله، وتحرمهم من قربه وحبه، وتسوقهم إلى النار التي هي مستودع هذه الخبائث، قال صلى الله عليه وسلم «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا» وذكر صلى الله عليه وسلم الرجل الأشعث الأغبر الذي يمد يديه داعياً الله «يا رب يا رب»، ولكنه يرد خائباً لأن مطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم «لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به»، مبيناً فضيلته أنه في سبيل التطهير المالي للمسلم، شرع الله الزكاة حيث قال سبحانه: {خٍذً مٌنً أّمًوّالٌهٌمً صّدّقّةْ تٍطّهٌَرٍهٍمً وّتٍزّكٌَيهٌم بٌهّا} وحرم الربا وأكل أموال الناس بالباطل، كما حرم مفسدات الصدقة المالية، كاختيار الأردأ للتصدق به، أو المن بها، أو التعالي على ما يأخذها منه، أو المراءاة بها، قال سبحانه: { )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ) }.
إن الله جميل
ويستطرد فضيلته بذكر مجالات الطهر، وفي المجال الشخصي يشير فضيلته لتوجيه الإسلام المسلم نحو التطهير في بدنه وثوبه وبيته، وفي هذا وردت أحاديث كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم «إن الله جميل يحب الجمال»، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وغيره، عن عائشة رضي الله عنها: «عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء. قال مصعب بن شيبة: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة»، وأخرج الترمذي عن أبي أيوب الأنصار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحناء والتعطر والسواك والنكاح من سنن المرسلين»، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً أشعث الرأس فقال: «أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره»، ورأي آخر عليه ثياب وسخة فقال: «أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه»، ويواصل فضيلته حديثه ليوضح أن الله جل وعلا في كتابه نهى المسلم أن يجامع زوجته الحائض، حماية له من أذى الدم الفاسد الخارج منها، قال سبحانه: { )وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البصاق في المسجد، كما نهى عن التغوط في طريق الناس ومواردهم وأماكن جلوسهم، وأمر بتنظيف البيوت والأسواق في قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي «إن الله يحب الطيب، نظيف يحب النظافة.. فنظفوا - أراه قال - أفنيتكم ولا تشبهوا بيهود».واختتم الشيخ الزنيدي حديثه بقوله: وهكذا يحوط دين الإسلام المسلم - فرداً ومجتمعاً - بالطهر والنقاء في جانبيه المادي والمعنوي، وفي كل مجالاته، ليكون منزهاً من الدنس كماء المزن، متلألئاً بالصفاء، كالجوهرة الطبيعية تشع من أي جانب نظرت إليها.

(*) إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved