* بغداد - بيتر فورد(*)
«خدمة» كريستيان ساينس مونيتور- خاص ب«الجزيرة»
أورد باحثون شاركوا في اجراء مسوح مستقلة بالعراق أدلة متزايدة تشير الى ان ما يتراوح بين 5 : 10 آلاف من المدنيين العراقيين لقوا حتفهم خلال الحرب الأخيرة ولم يكن أحد من الباحثين المحليين أو الاجانب راغبا في فتح هذا السجل حتى تنتهي عملية الاحصاء التي يقوم بها المشاركون في المسوح بشكل كامل.
الحرب الفتاكة
ان نطاق البحث يجعل من الحرب العراقية أشد الحملات العسكرية التي خاضتها القوات الأمريكية منذ حرب فيتنام فتكا بالمدنيين. ورغم انه لايزال من المبكر جدا الأخذ بأي شيء على انه تقدير نهائي إلا ان الباحثين يحذرون من ان التقارير الأولية الواردة من المستشفيات والمساجد والمنازل تشير الى ارتفاع مستوى الخسائر البشرية كثيرا بشكل يفوق ما كان عليه الحال خلال حرب الخليج عام 1991 التي يسود الاعتقاد ان 3500 مدنيا لقوا مصرعهم خلالها.
كارثة كبرى
يقول حيدر الطائي رئيس ادارة التخطيط بلجنة الهلال الاحمر العراقية في بغداد «ان آلافا لقوا حتفهم وآلافا اخرين أصبحوا في عداد المفقودين بينماوقع آلاف اخرين في الأسر.. انها كارثة كبرى» ان الحرب في العراق تعتبر وحشية بشكل خاص اذا قيست بمعايير العنف ضد المدنيين مقابل المقاومةالتى واجهها الجنود.
غزو بنما
شهدت عملية «القضية العادلة» التي غزت الولايات المتحدة تحت رايتها بنما عام 1989 مصرع 13 من المدنيين البنميين مقابل كل ضحية واحدة أمريكية واذا ما كان خمسة آلاف مدني عراقي قد لقوا مصرعهم في الحرب الأخيرة فان هذه النسبة سوف تكون 33 عراقيا مقابل أمريكي واحد.
لقد اصر المسئولون البريطانيون والأمريكيون طوال الحرب على ان قواتهم بذلت كل ما في وسعها من أجل تجنب وقوع خسائر بشرية مدنية، إلا انه أصبح من الواضح منذ انتهاء القتال ان القنابل ضلت طريقها الى جانب حدوث أخطاء في اختيار الأهداف كماان القوات الأمريكية اندفعت بسرعة الى الشمال باتجاه العاصمة وقتلت في طريقها آلافا من المدنيين من الجو والأرض في الوقت الذي لا توجد فيه أي أرقام بالمرة تتعلق بالخسائر بين القوات العراقية التي حافظ المسئولون العراقيون على سريتها.
سجلات المستشفيات
وهي تمثل احد العوامل التي قادت الى الكشف عن الكثير من الوفيات المدنية والذي زاد من تعقيد مهمة احصاء الخسائر البشرية بدقة تمثل في ميليشيا الفدائيين غير النظامية التي اختبأت في منازل المدنيين في الوقت الذي كانت تحارب فيه قوات التحالف المتقدمة حيث كان أفرادها يرتدون الملابس المدنية كما ان سجلات المستشفيات - التي تم الاحتفاظ بسريتها في ذروة الحرب تحت الضغوط المكثفة التى تعرض لها الأطباء والعاملون في المستشفيات - لم تكن دقيقة بشكل كاف على حد تعبير بعض المراقبين.
أرقام مغرضة
قد يعني ذلك انهم ربما يقللون من الحجم الحقيقي للوفيات المدنية رغم احتمالات تسجيل بعض الخسائر العسكرية على انها خسائربين المدنيين، تقول ندا دوماني المسئولة باللجنة الدولية للصليب الأحمر في بغداد «لقد حصلنا على بعض الأرقام من مصادر المستشفيات ولكننا ادركنا بشكل سريع انها أرقام مغرضة جدا.. حيث انه من الصعب تعقب كل شخص لقي مصرعه للتعرف عليه كما اننا كنا نخشى اساءة تفسير هذه الأعداد لذا فقد تخلينا عن الافصاح عنها».
صعوبات رقمية
يقول فايق امين بكر المسؤول عن ثلاجة للجثث في مستشفى ببغداد «ان بعض الأشخاص أحضروا جثثا أثناء الحرب الى المستشفيات للحصول على شهادات وفاة لها بينما دفن آخرون جثثا أخرى في المكان الذي عثروا عليها به في الشوارع أو في المدارس.. ولا أعتقدان أحدا في العراق يستطيع ان يعطيك رقما للوفيات المدنية في هذا الوقت».
حملة شاملة
ان الفوضى الناجمة عن الحرب والارتباك المستمر في العراق حيث لاتزال الحكومة المركزية معطلة أدى الى قيام جماعة حقوق انسان أمريكية صاحبة خبرة فى احصاء الخسائر المدنية في أفغانستان باجراء مسح شامل في العراق من منزل الى منزل في المناطق التي كان القتال فيها ضاريا فقد استعانت «الحملة من أجل الضحايا الأبرياء في الصراع» بمئة وخمسين شخصا للقيام باجراء مقابلات مفصلة مع ضحايا الحرب وتسجيل الوفيات والاصابات والاضرار التي لحقت بالمباني بهدف ضمان تقديم المساعدات لهم من أموال الحكومة الأمريكية.
مقابر وقتلى
تقول مارلا روزيكا منسقة الحملة «ان اجراء احصاء كامل يمكن ان يستغرق شهورا كما ان المجموعة لا تزال تقوم بعملية تصنيف البيانات التي حصلت عليها إلا ان المتطوعين بالحملة سجلوا بالفعل أكثر من ألف حالة وفاة بين المدنيين في مدينة الناصرية الجنوبية فضلا عن الكثير من الحالات في العاصمة». ويقول علي اسماعيل المسئول بالهلال الأحمر « لقد اكتشفنا ألف مقبرة في بغداد وليس هذا هو الرقم النهائي.. ففي كل يوم نكتشف المزيد»، بينما يقول المقيمون المحليون انه تم دفن المدنيين القتلى ويقول الباحثون انهم اكتشفوا مستويات عالية بشكل خاص للخسائر في أرواح المدنيين على طول نهر الفرات بين الناصرية والنجف حيث شقت قوات مشاة البحرية الأمريكية طريقها الى بغداد.
الحرب البغيضة
يقول ريوبن برايجتي الباحث في جماعة «هيومان رايتس ووتش» المعنية بحقوق الانسان «ان التناقض الكبيربين أفغانستان - حيث لقي ما يقدر بنحو 1800 مدني مصرعهم خلال الحملة التي قادتها الولايات المتحدة هناك عام 2001 - والعراق يتمثل في ان أفغانستان سيطرت عليها الحرب الجوية بينما سادت الحرب الجوية البرية في العراق.. ان الحرب الجوية ليست خالية من الأخطاء ولكن اذا كان لديك أسلحة دقيقة فانه يمكنك في هذه الحالة ان تفعل الكثير لتكون هذه الأسلحة أكثر دقة.. ولكن نفس الشيء ليس صحيحا بالنسبة للمعركة البرية التي تحصد في طريقها الكثير.. انها بغيضة».
القنابل العنقودية
يقول الدكتور برايجتي وزملاؤه في بغداد انهم يشعرون بالقلق بشكل خاص إزاء الاستخدام الواسع للقنابل العنقودية خلال الحرب في العراق ويشيرون الى انهم اكتشفوا دليلا على «استخدام هائل للقنابل العنقودية في الأماكن الآهلة بالسكان» وفقا للباحث مارك جالاسكو بجماعة «هيومان رايتس ووتش» الأمر الذي يتناقض مع مزاعم التحالف بأن هذه الذخيرة تم استخدامها فقط في المناطق المهجورة وقالت جماعة حقوق الانسان ان القاء آلاف القنابل الصغيرة التي تنطلق منها شظايا في مساحة تعادل ملعب كرة قدم يجعلها عشوائية وبالتالى تصبح غير قانونية وفقا لقوانين الحرب اذا تم استخدامها في مساكن المدنيين.
فوضى الحرب
ويضيف برايجتي «ان الجمع بين استخدام القنابل العنقودية ونيران المدفعية غير الدقيقة ضد القوات العراقية المتمركزة بالقرب من المناطق المدنية وقتال الشوارع في المدن العراقية يعني ان عدد القتلى المدنيين ربما يرتفع الى عشرة آلاف شخص وفق مايقوله اثنان من الباحثين من فريقين مختلفين طلبا عدم ذكر اسميهمها حتى يحصلا على دليل أكثر وضوحا.
حملة ليهي
تنتظر الوكالات التابعة للحكومة الامريكية التي حصلت على تفويض من الكونجرس لمساعدة الضحايا المدنيين في الحرب على العراق الحصول على دليل أكثر وضوحا وبناء على العملية التي قادها عضو مجلس الشيوخ الأمريكي باتريك ليهي «ديموقراطي عن ولاية فيرمونت» فقد تضمن مشروع القانون الاضافي الخاص بالحرب في العراق الذي وقعه الرئيس بوش في 16 ابريل وشمل توجيها بتخصيص مبلغ 4 ،2 مليار دولار لأعمال الاغاثة والبناء في العراق ضرورة ان يتم تقديم «المساعدات لأسر المدنيين العراقيين الأبرياء الذين يعانون من الخسائر نتيجة العمليات العسكرية».
نكبة حامدي
يقول تيم ريسر مساعد ليهي «ربما يكون من المستحيل القضاء على مثل هذه الأخطاء ولكن بامكانك ان تقوم بشيء ما للضحايا بعد ذلك «إلا ان ذلك لم يكن سببا في اشاعة الراحة في نفس محمود علي حامدي الذي احتضن ابنه حيدر وضمه الى صدره ولكنه لم يستطع ان يحبس دموعه وهو يتذكر مشهد صاروخ أمريكي سقط بجوار الباب الأمامي لمنزله مما أسفرعن مصرع زوجته وثلاثة من أبنائه الكبار مساء يوم الخامس من ابريل.
نهر الدموع
يقول حامدي وهو يتطلع الى صورة قديمة لأفراد أسرته والدموع تنهمر من عينيه «ان أبنائي كانوا الأذكى بين كل تلاميذ المدرسة.. لقد أمضيت أحد عشر عاما في تربية أبنائي وفي لحظة واحدة فقدتهم» كانت أسرة حامدي قد لقيت حتفها في الرشيدية وهي قرية بها أشجار النخيل ومزارع الخضروات على ضفة نهر دجلة على مسافة نصف ساعة الى الشمال من بغداد، لقد لقي نحو 100 قروى مصرعهم بسبب القصف الأمريكي في الخامس من ابريل من بينهم 43 في منزل واحد لأسباب لا يفهمونها. يقول حامدي «لم تكن هناك قاعدة عسكرية.. ولسنا أفرادا عسكريين، انها مجرد قرية يعيش بها الفلاحون».
الشعور بالذنب
من المفترض ان يتلقى الضحايا المدنيون جراء العمل العسكري الأمريكي في أفغانستان - الذي وصفه فريق بحث باسم «روزيكا» - مساعدات أيضا ومع ذلك، لم تقم هيئة المعونة الأمريكية حتى الآن بتوزيع أي أموال بذريعة المخاطرالأمنية والمشاكل الأخرى في أجزاء من أفغانستان.
يقول ريسر «تقع على عاتقنا مسئولية تقديم المساعدات خاصة عندما نكون نحن السبب في ذلك، من مصلحتنا التأكيد على ان تلك لم تكن حربا ضد الشعب العراقي. وأضاف ان ليهي يأمل ان تعبر هذه المساعدات عن حسن نية الولايات المتحدة، «إلا ان ذلك يبدو انه أمل عقيم في حالة حامدي الذي فقد أسرته ووقف يقول وعلى وجهه علامات التعب والحزن «ان الأمريكيين قتلة.
فما الذي يمكن ان أحصل عليه اذا شكوت لهم؟ إنني أشكو فقط الى الله».
|