يقولون: إن السياسة هي فن الممكن، فهل معنى هذا أنه لا أخلاقيات في السياسة، فصديق الأمس واليوم ممكن أن يكون عدو اليوم نفسه؟!
إذا كانت السياسة تتطلب ذلك ولو بدون ذنب جناه، بل يسعى لتقوية هذا العداء بتأليف الحكايات والقصص عن مساوئ هذا الصديق مما يعني أن عداوته أصبحت واجبة وأنه هو البادىء بها و«البادي أظلم» كما يقال، هذه حكاية أمريكا هذه الأيام.من خلال مجلسيها. عن المملكة العربية السعودية.
وفي تصوري أن أمريكا لا يهدأ لها قرار وهي ترى غيرها يعيش في استقرار وكأن هذا الخلق أصبح ملازماً لها منذ أيام الحرب الباردة حيث افتعال الثورات والتوترات في أماكن شتى من عالمنا.
والآن جاء دور المملكة العربية السعودية بإشغالها بنفسها وبذر بذرة الشقاق في مجتمعها المتراص، فكان الحرص في البداية على إشعال القيادة وإيجاد فجوة بينها وبين أبنائها فكان العتاب على وجود هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنها سبب البلايا، أعقبه طرح عن مناهج البلاد التعليمية وأنها السبب في كل أذية تنال أمريكا والعالم في السوية.
ثم جاء دور المرأة وأنها في المملكة مهضومة وعن حقوقها المزعومة ممنوعة فلابد من إخراجها من خدرها وجعلها تقف مع الرجل في الطابور وتزاحم لتشرب الماء من الصنبور فلابد أن تعاني مما يعاني منه الرجل فتفتل العضدين وتشمر عن الساقين، وكانت المؤسسات والجمعيات الخيرية - التي قد تكون من أسباب دفع البلاء عن العباد والبلاد - محل اتهام يجب معه منعها من مزاولة أعمالها.
وكل هذا مطالب محلية تحاول أمريكا التدخل فيها بلا حياء. ثم جاء خامسها قضية عربية فطلب من المملكة مشاركة لوجستية أو فعلية في القضية العراقية، ثم جاءت قضية القضايا وطلب من المملكة أن تعرف لليهود قدرهم وتوافق على إعطائهم غير حقهم، فكان موقف المملكة تجاه هذه المطالب الستة الموقف الواجب ولم توافق لأمريكا على تحقيق هذه المطالب بل اعتبرت هذا تدخلاً سافراً ولا يحق لأمريكا وغيرها أن تملي ما تريد فعندنا رأي سديد وليس لأحد أن يملي ما يريد، فزادت اللحمة قوة والتراص تراصاً ورجعت أمريكا خاسرة الرهان تبحث عن وسائل أخرى كفيلة لتقرر أن المملكة مصدر شر فكان التقرير الغبي الذي يُسمع ولا يرى.
وفي تصوري أن القضية لها معنى آخر قد لا يخفى وهو أن أمريكا ترى أن في الإسلام خطراً عليها وأنها لن تقوم لها قائمة ما دامت أعلام الإسلام قائمة، ومن المؤكد أنه إذا خُدر الرأس تعطلت الجوارح والحواس، وأن الإسلام يتمثل بالدول والرجال وأن المملكة هي الرأس فهي مهوى أفئدة المسلمين ومحط أنظارهم بل إن أي قضية إسلامية تشرئب أعناق الآخرين لنظر رأي المملكة فيها.
ولا أقول هذا لأنني من أهلها - مع تشرفي وسروري بذلك - بل لأن هذا واقع حال لا يمكن تجاهله بحال عند أعداء المملكة وأصدقائها، فرأت أن في إشغال المملكة إشغالاً لبقية العالم الإسلامي ولكن أنّى لها هذا وبلادنا بفضل الله مع كل حدث تزداد اللحمة وتقوى فيها الشوكة على أعدائها وقد قال أحد رجال القيادة فيها الكلام كلام وعند الفعل لكل مقام مقال، كما أن أمريكا رأت أن علاقتها بالمملكة علاقة نفط وأنها باحتلالها للعراق أصبحت به غنية وليست بحاجة للبقية ولكن هيهات هيهات، فالعرب بالرضا تأخذ منهم ما تريد ومع العداء يصل الأمر عند أعدائهم إلى حبل الوريد.
وهكذا تخسر أمريكا مرة أخرى وتزداد خسارتها ويزداد لمملكتنا قوتها بإذن الله.
(*) عضو هيئة التدريس في كلية المعلمين بالرس
وعضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية - بريدة
|