شهد العالم منذ بداية العقد الأخير الميلادي تنافسا تجاريا كبيراً على الأسواق العالمية. وبرز خلال هذا التنافس عدد من المتنافسين كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والنمور الآسيوية والصين الشعبية. وبدأ التنافس على الأسواق التقليدية في بداية الأمر ولكنه ما لبث ان زاد حدة بينهم في الانتشار والتوسع إلى اسواق تجارية بمناطق جغرافية جديدة لم يكن لها توقعات استثمارية على خريطة التجارة الدولية خلال الحرب الباردة. وتبدو الأسواق الإفريقية التي كانت سابقا مسرحا مأساوياً لصراعات القوى العظمى محط انظار المتنافسين حاليا. واليوم فان القارة تمر بمرحلة انتقالية نظراً لانتهاء الصراعات الايديولوجية تعتبر لحد كبير مرحلة اقتصادية مميزة متوقعا لها بان تكون مختلفة تماما عما عاشته منذ الكولونية الأوروبية. ويبدو أن التحول الانتقالي قد ظهرت بوادر معالمه متمثلة في تكثيف حجم التبادلات التجارية وتنافس العالم الصناعي في تسويق المنتجات والخدمات مقارنة بالعقود الماضية. وكان من أهم التغيرات المصاحبة لهذا التحول السريع في الاتجاهات الدولية ما نراه من زيادة الاهتمام الرسمي وكسابقة لم يعرف لها من قبل في عدد الزيارات التي قام بها مسؤولون على مستوى رفيع. فقام الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون مصطحباً معه وفدا من رجال الأعمال والاقتصاد بهدف انماء التواجد الاقتصادي الأمريكي بها. وقرر الرئيس الأمريكي بوش بان يقلل من الشروط المفروضة على دولها والتي ينطبق عليها قانون النمو والفرصة الإفريقية. ومن المتوقع ان تستفيد من القوانين المعدلة عدة دول افريقية عندما تعاد صياغته التجارية القديمة إلى اتفاق جديد يتلاءم مع مجالات التعاون التجاري التي يتطلع اليها الجانبان. ولم تكن الدول الأوروبية بمنأى عما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية فسارعت كلا من بريطانيا وفرنسا بتقديم عروضها المجزية من معونات ومنح اقتصادية طويلة الأجل هادفة من المبادرة الحصول على مميزات وأسواق تجارية موقعية على المدى القريب والبعيد. كما ساهمت جامعة الدول العربية في انشاء المصرف العربي للتنمية كمؤسسة مالية عربية مشتركة لدعم التعاون الاقتصادي العربي الإفريقي من خلال المساهمة في تمويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعن طريق القروض الميسرة والعون الفني في شكل هبات لا تسترد وفي تمويل التجارة الخارجية. وشجع المصرف على توظيف الرساميل العربية للاستثمار للدول الفقيرة منها. وبلغ المجموع التراكمي لتمويلات المصرف المقدمة إلى الدول الإفريقية بنهاية عام 1999م حوالي 2000 مليون دولار سخرت لتمويل العديد من المشاريع الانمائية التي تعود بالخير على سكان القارة.
ومن البوادر الايجابية للنقلة ما تجده في بعض الدول الإفريقية التي نجحت في تحقيق نمو (3%) في الناتج الاجمالي العام عام 2000م وان الكثير منها تمر بمراحل تغير ونمو بطيء بصورة عامة. ذلك ان القارة لا تزال تعاني من معوقات اقتصادية عديدة وما قابلته سابقا من سلبيات خارجية وداخلية في آن واحد في طريق الاصلاحات الشاملة واعادة البناء لهياكلها. وتعد الأسباب الخارجية العالمية في الازمة الآسيوية وما صاحبها من معدلات تضخم الأسعار وانخفاض عملائها أكثر وضوحاً في اضرارها عليها من غيرها. حيث ان 90% من حجم التبادلات التجارية العالمية التي تقدر بـ126 مليون دولار تراجعت بنسبة 10%. كما ادت الى هبوط اسعار المواد الخام المصدرة من القارة ناتج عنه عجوزات ضخمة في موازينها المالية. ولم تكن العوامل الداخلية اقل سلبية وتأثيراً في بصماتها. فكان العقد الماضي قاسيا عليها ايضا في تقلبات الظواهر المناخية من تصحر وجفاف واعاصير (ظاهرة النينو) والتي تعرضت لها دول منها تنزانيا وكينيا وغانا وتوجو فتراجعت صادرات القارة من الخامات الزراعية وفي انتاجها المحصولي الأمر الذي ساعد بدوره في انخفاض مستويات الافراد المعشية والناتج الاجمالي العام. واذا ما اضفنا الحروب الأهلية والنزاعات العرقية في (ج.د.كونغو وموزمبيق والصومال وسيراليون ورواندا وارتيريا واثيوبيا وتشاد والسودان ولوسوتو وغيرها) والتي تزيد من صعوبة أوضاعها الاقتصادية فان التغير الاقتصادي التنموي المرحلي يكاد يكون ضعيفا بل وفي ادنى مستوياته. ولا يستثنى الا بعض الدول البترولية مثل الجزائر ومصر الشقيقة وانجولا وجمهورية الكونغو والكميرون والتي حافظت على عدم تراجع دخلها الاجمالي العام. اما الصادرات المعدنية الاخرى مثل النحاس والتي تصدرها زامبيا فقد انخفضت اسعاره بأكثر من 20% عما كانت عليه عام 98م. اما الجانب المضيء للقارة فنجده ما قامت به دول ذات الانتاج الصناعي الأفضل نسبيا مثل كينيا وزمبابوي وناميبيا وجنوب افريقيا في تشجيع الاستثمارات وتدفق الأموال الأجنبية اليها فكان عاملا جيدا في استمرارية نمو الناتج الاجمالي العام. كما استثمرت ليبيريا 50 مليون دولار في برامج اعادة هيكلة البنى الاقتصادية (خاصة المناجم والمحاجر) فيها املة ان تجذب بذلك الاستثمارات الاجنبية الى القطاع. ووظفت رواندا وبورندي وموزمبيق بعد انتهاء الحرب العرقية مشاريعها في استصلاح الأراضي الزراعية والبنى التحتية والصناعية مما ساعدها على رفع الناتج الاجمالي العام بحوالي 10% عام 2000م وهذا الاتجاه التنموي الايجابي يدعو ان يكون لمنظمة التجارة العالمية دور فعال آخر لهذا التحول البطيء. ذلك ان المنظمة تسعى الى فتح الاسواق وفي تنمية التجارة والاستثمار العالمية. ومن هنا فقد لا تشكل انضمام الدول الفقيرة الافريقية للمنظمة بالضرورة سلبية اقتصادية كما يعتقد في تكريس حالة الفقر وسوء توزيع الدخل الفردي بين مجتمعاتها. فالقارة يترتب عليها التزامات في ظل موارد بشرية محدودة الا ان تتدفق الاستثمارات العالمية عليها سوف يعطي مردودات اقتصادية ايجابية لاحقا. وتتوفر بها موارد طبيعية قد تنحصر فيها المحفزات الفعلية التنموية حيث ان القدرة التصديرية تتمركز في 3 مجموعات رئيسية وهي: التصنيع الأولي للمواد الأولية الزراعية أو المعدنية والموارد المائية. وكلها تتطلب رساميل ضخمة واساليب تطويرية رغم ما تعانيه من نقص في الأموال وارتفاع في معدلات البطالة والافتقار الى البيئة الأساسية الضرورية للنقلة الاقتصادية. وتلك الموارد الطبيعية تعتبر اكبر سوق للموارد الأولية يمكن أن تؤهلها لأن تكون سوقا جاذبة للاستثمارات الدولية خاصة في ظل ما تتبناه حاليا العديد من دول القارة من أهداف لتحقيق وتحسين مناخ الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
|