عندما يخلد الانسان إلى نفسه ويعيش مع ماضيه وفي ماضيه يحس بلذة وسعادة بالغتين تتخللهما بعض أسواط من أسواط التعاسة والألم في حركة سريعة خاطفة، وذلك عندما تداعب أنامل الفؤاد قيثارة الذكريات لتعزف موسيقى الآهات.. يا لها من نغمات حزينة تحل النشوة في النفس تارة وتجثم بالعذاب تارة أخرى ويحاول الانسان بكل ما أوتي من قوة مقاومة هذه الظاهرة المقلقة، ولكن دون جدوى فيرفع راية الشحوب الذي بدا على وجهه مترنحاً ومعلناً استسلامه لأيادي القدر وينشأ بمعانقة مراتع ذكرياته والكلمات الخالدة التي رسخت في خياله ولم يطوها الزمن ولم تدرسها عقبات الأيام والتي دارت بينه وبين أصدقائه القدامى وغيرهم من الذين شهدوا مسيرته الأولى في هذه الحياة، ويأخذ يتمتم بها ويخرجها واحدة واحدة وكأنه يحيا في ذلك الزمن الماضي البعيد، ويصحو هذا الانسان التائه في بحور من الأفكار المتتالية ويعود مرة أخرى لمقاومة هذا التيار الجارف وأخيراً ينتصر، وقد فعلت به الذكريات ما فعلت ويقبل على ما هو مقبل عليه، متخوفاً لعلمه بأن كل دقيقة تمر عليه وبما فيها من عمل سوف تنتظره في المستقبل وفي عالم الذكريات فلله درك أيها الانسان ما أصبرك.
|