آراء الناس في الموضوع الواحد بينها في الغالب اختلاف قد يصل في بعض الأحايين إلى حد التباين، وبخاصة إذا لم يُتفق على ضابط يُرجع إليه، إما نص من كتاب أو سنة وإما واقع لا يمكن المجادلة حوله والاختلاف فيه، إلى هنا والأمر في دائرة الواقع المعيش غير المؤثر، ولكن الخطورة تأتي إذا انتصر إنسان لرأيه وجعله انتصاراً أحادياً مما يجعله في خانة المسلّمات عند صاحبه مع افتقاره للضابط المذكور أو مصادمته له أحياناً، ومن هذا ما يقرأه الإنسان أو يعايشه في بعض المجالس والمنتديات من محاولة فرض الرأي وإلزام الآخر به وجعله رأياً لا يحتمل الخطأ البتة. وأحاديو الرأي هؤلاء يسلكون مسالك شتى لتقرير ما يرون ومن ذلك:
أولاً: استعداء القادرين على مناوئيهم «حسب زعمهم» وذلك بتضخيم خطورة الرأي المخالف وصواب الرأي المطروح، وأن في الأول الهلكة والعطب وفي الثاني النجاة والسعادة.
ثانياً: استفزاز المخالفين بالتقليل من أعمالهم وآرائهم واعتبارهم من التلاميذ عديمي الفهم والهم والهمة.
ثالثاً: الفوقية التي يكتب فيها الرأي وكأن رأيه صواب لا يحتمل الخطأ.
رابعاً: الإجلاب والتهويل لرأيه وعلى آراء الآخرين وكأن الهدف إبراز الذات وتحطيم الذوات.
خامساً: وضع الفئة المستفزة بالبال ونصبهم أمام صاحب الرأي، واعتبارهم أعداء ابتداء مما يعني إبعاد حسن النية في الآخرين عند طرح أو تناول قضية أو قضايا متنوعة.
سادساً: استغلال الحدث المناسب لتفريغ ما في الجعبة من آراء يصعب بالأمس طرحها، والآن هبت الرياح فلابد من اغتنامها، ولا تدري أين تضع هذا، هل في خانة الفرحين بالحدث، وبخاصة منه ما يسيء إلى أمن البلاد وكيانها، من أجل اهتبال الفرصة، إذ المهم ما أقول لا ما يحدث أو يحدث مما أقول، نعم قد يُقصّر بالوقاية، ولكن أين هو عن خانة المعالجين بالحكمة حيث وضع الشيء في موضعه، والاستفادة من الحدث لعمل الوقاية مما يماثله أو يكون أخطر منه، واعتباره داءً تجب الحمية منه أو استئصاله.
سابعاً: لاشك ان رغبة الإنسان في شيء لا تعني ضرورة الاستفزاز فليس الأول بحاجة إلى الثاني إذ الأول مما يمكن طرحه مع فتح الأبواب واتساع المجال مع أهمية تقدير المصالح والمفاسد، أما الثاني فهو تعبير عما في الذات ومكنوناتها مع كونه كثير الهفوات.
ثامناً: وحتى لا أقع فيما لا يحسن، أظن ان هذه الرؤية صوابٌ يحتمل الخطأ.
|